“أَزرار” – الحلقة 990
… كُنْ رئيسًا أَديـبًا
“النهار” – السبت 20 أَيَّــار 2017

رئيسٌ يُــؤْمِن بالأَدب… وشعـبٌ يُـدْمِن القراءة… هوذا الوطن الخالد!!!
 
في عدد الأَحد الماضي من “لوموند” رسالة مفتوحة من عضو “أَكاديميا غونكور” الأَديب الفرنسي إِريك إِيـمانويل شْـمِيْتْ إِلى الرئيس إِيـمانويل ماكرون، عنوانها “ماكرون: كُنْ رئيسًا أَديــبًا”. مطلعُها أَنّ “فرنسا تتميّز بتراثها الأَدبي” وأَن “في الجمهورية الخامسة رؤَساءَ كانوا أُدباء ومؤَلّفين”، ذَكَر أَن بينهم مَن انتمى بفخرٍ إِلى عالم الأَدب: شارل ديغول في مذكّراته، جورج ﭘــومـﭙــيدو مؤَلّف “أَنطولوجيا الشعر الفرنسي”، ﭬـاليري جيسكار ديستان دخل الأَكاديميا الفرنسية، فرنسوا ميتران القارئ النهِم فتح الإِليزيه للقاءاتٍ شبهِ دورية مع الأُدباء، والباقون (شيراك، ساركوزي، هولاند) كانوا مثقفين إِنما لم يبلغ بهم حب الأَدب درجة العشق المباشر.
اللافت في مقال شْـمِيْتْ رأْيه أَن الرئاسة الفرنسية مع الثلاثة الأَخيرين “فقدَت هيبَتَها وسلطتَها بـابتعادها عن الأَدب والأُدباء”، معتبرًا – وكم هو على حق – أَنّ حُبَّ الرئيسِ الأَدبَ يحفزه على تَخَطّي الإِيديولوجيات المحلية، ويَعْبُر جميع الحدود، فيكون روسيًّا إِذ يقرأُ دوستويـﭭـسكي، ويابانيًّا إِذ يقرأُ يوكيو ميشيما، وإِيطاليًّا إِذ يقرأُ أَلبرتو موراﭬـيا، وأَلمانيًّا إِذ يقرأُ توماس مانّ، ومصريًّا إِذ يقرأُ نجيب محفوظ. الأَدب كَونـيٌّ يتخطّى الحدود المكانية، وحتى الزمنية إِذ يُــتيح لنا العيش في القرن الخامس قبل الميلاد مع سوفوكل، وفي عصر النهضة مع شكسـﭙــير وسرﭬـنـتـس”.
ويعتز شْـمِيْتْ بأَنّ “فرنسا بلادٌ أَدبيّة لأَنها تقرأُ كثيرًا وتُنتج أَدبًا وفيرًا. أَبناؤُها يغْـتَذُون مع الحليب من نصوص لافونتين وسانت إِكزوﭘـري، ويعشقون بـنصوص بودلير ورمبو وﭬـرلين، ويعتزُّون بأَن لغتهم تدعى “لغة موليير”، وواعون بأَن بلادهم تشع على العالم بأُدبائها ومفكريها، وبأَن شوارعَ كثيرةً تحمل أَسماء روائيّـيها وشعرائها ومسرحيّـيها، وبأَن فيها جوائزَ أَدبية بعدد أَنواع أَجبانها، وبأَن الأُدباء خالدون حتى بعد رحيلهم وانقضاء جيلهم، وبأَن الأَدب كتابةٌ على الورق وحفرٌ على الرخام، فيما الإِعلام كتابةٌ على الماء”.
ويختُم شميت مقاله الرائع بأَن “ماكرون أَحَبّ الأَدب منذ صباه، فتخصَّص في الآداب والفلسفة، وأَعلن مرارًا حُلمه أَن يكون أَديـبًا. وهو ما بدا واضحًا في خطابه الرئاسي اللافت باختيارِهِ كلماتٍ متماسكةً في لغة أَدبية صافية”.
وَدِدْتُ لو لم أَكتُب “أَزرار” اليوم “عن” مقال شْـمِيْتْ، بل لو اتَّسعَت لي مساحةُ ترجمتِه حرفـيًّا بالرغم من طُوله، لِـما فيه من عظَمة الأَدب وتأْثيره الساطع في الحُكم، أَيِّ حُـكْم، في أَيِّ بلد، إِذًا لكانت تتغيّر الرئاسات في العالم، وتنمو الأَجيالُ الجديدة على القراءة وتَذَوُّق الأَدب، لا على الانقيادات الأَغنامية الغـبـيّـة وراء الزُعماء، فيكون الشعب جميعُه على صورة رئيسه، كما جاء في مقال شْـمِيْتْ أَنّ “الرجل الذي يَقرأُ يَـبلغ الكونيّة. فيا سيّد ماكرون: كُنْ رئيسًا أَديـبًا، تَكُنْ رئيسًا لجميع الفرنسيين”.
هـنـري زغـيـب
email@old.henrizoghaib.com
www.henrizoghaib.com
www.facebook.com/poethenrizoghaib