ما إِن صدرَت النتائج الرئاسية الفرنسية حتى علَت صيحاتُ مناهضي الـ”ماكرون” الآتي إِلى الإِليزيه، ناعِتينَهُ بالـــ”أُوليغارشيَّة” (حُكْم الأَقلية) لأَنه رئيس حزب ضئيلِ العدد حَيال الأَحزاب الفرنسية الأُخرى يَـمـيـنــيِّـها ويساريِّــها، وبالـــ”أَنارشيّة” (حُكْم الفوضى) لأَنه ابنُ تسع وثلاثين، غيرُ خبير كفايةً، وغيرُ متمرّس بشُؤُون الحُكم، ما إِن تولّى حقيبة الاقتصاد حتى تخلّى عنها بحجة إِرضاء طموحِه (قالوه “إِشباع غرورِه”) في التَهَيُّؤ للانتخابات الرئاسية.
وها هو وصل إِلى قمة طُموحه: نجح في استقطاب مَن آمنوا بشبابه، وشرَّف قدسية الحب الذي تجاوز كل “تابو” منذ كان في الخامسة عشرة حين خفق قلبه لـمعلِّمته فبادلَـتْـه الخفقان وتزوجَـتْـه داهسةً 24 سنة تكبره بها، وباتت سيدة الإِليزيه بكل اعتزاز المرأَة/الحبيبة التي أَطاحت جميع الحواجز لتفوز بحبيبها، وها هي فازت به حبيبًا وزوجًا ورئيس فرنسا.
لا أَحكْم له مسْـبقًا على نجاحه في الحكم، أَو عليه إِن تعثَّر في الطريق. لكنني أَحكُم على مَن يستبقون الحُكْم بسوداويةٍ في الظن، وتشاؤُميةٍ في النوايا، ورفضٍ جائرٍ أَحلامَ شاب يرسم لوطنه مصيرًا يُـبقِي فَــرَنْسَاهُ على عرشها التاريخي.
“أُوليغارشيٌّ” هو؟ “أَنارشيٌّ” هو؟ ماذا إِذًا لو علِمُوا بما عندنا؟
ماذا عن أَقلّيَةٍ إِقطاعيةٍ ضئيلةٍ تتحكَّم بحُكْم لبنان منذ أَجيال وعقود وعُهود، من أَبٍ إِلى ابنٍ إِلى حفيدٍ وسائر الحظيرة من أَنسابٍ وأَصهار وأَنصار وأَقارب وأَزلام ومحاسيب وأَتباع، لا يتزحزحون بل يتجدَّدون – ما شاء الله – من دورة إِلى دورة ومن عهد إِلى عهد ومن ولاية إِلى ولاية ومن حكومة إِلى حكومة ومن مجلسٍ نيابي إِلى مجلس جديد يفصّلون له قانون انتخاب على قياسهم. أَليست هذه “أُوليغارشيَّة” واضحة يَدرس بها علم الاجتماع وعلم السياسة كيف يكون حُكْمٌ يؤَدّي بالبلاد إِلى دولة فاشلة وتدهور اقتصادي وسقوط دراماتيكي؟
وماذا عن فوضى تعُمُّ البلاد اليوم أَمنيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا واضطرابيًّا في أَكثر من قطاعٍ مدني ونقابي ومطلبـيّ فلا يَـمُر يوم بدون تظاهرة هنا واعتصام هناك وإِضراب هنالك وتهديد بها في كل صقع من البلاد؟ أَليست هذه “أَنارشيَّة” (فوضى) فاضحةً أَهلَ الحكْم المتوارثينَـهُ إِقطاعيًّا سياسيًّا أَو طائفيًّا، فلا مكان لغيرهم أَيًّا تكن طموحاتُ المواهب الجديدة وشبابنا المتخرّجين إِلى رؤًى نضرةٍ للبنانٍ جديدٍ يَخرج على ورَثَة القبيلة والمزرعة والعشيرة، لأَن عندنا شبابًا راغبين في نقل لبنان من حُكْم الدويلات الطائفية والعائلات السياسية إِلى دولة يتساوى فيها المواطنون جميعًا حقوقًا وواجبات؟
بين الـــ”أُوليغارشيَّة” والـــ”أَنارشيَّة” في لبنان، وبسبب هذا الطقم السياسي الحاكم المتحكّم، يبقى مستقبل شبابنا مرصودًا على مجهولٍ يندههم إِلى أَيِّ دولة في العالم تستقبلُهُم لمواهبهم فقط، لا إِلى أَيّ زعيمٍ سياسيٍّ يَنتَمون.
هـنـري زغـيـب
www.henrizoghaib.com
www.facebook.com/poethenrizoghaib