لِـمَن هواءُ الوطن؟ ولِـمَـن أَثير التلفزيونات والإِذاعات في الوطن؟
إِذا كان الهواء لجميع المواطنين، وإِنه كذلك، فهل مسموحٌ للدولة أَن تتركه ملوَّثًا بالنفايات عند كل ناصية، وبالهواء المسموم من دواخين معامل الكهرباء في زوق مكايل ودواخين معامل الترابة في شكَّا؟
أَليس هذا اغتصابًا حريةَ التنفُّس عند المواطنين؟ وما الجواب: أَن يغادر من لا يعجبه هذا العيش في الوطن؟
وإِذا كان أَثير الإِعلام لجميع المشاهدين، وإِنه كذلك، فهل مسموحٌ للإِعلام أن يستخدم هواء شاشاته نقلًا مباشِرًا أَحداثًا تغطيها دقائقُ معدودةٌ في نشرة الأَخبار؟ وما الجواب: أَن يدير إِلى محطةٍ أُخرى مَن لا يعجبُه هذا النقل المباشِر؟
صحيحٌ أن كل محطة حرة في استخدام شاشتها كما ترتإِي، ولكن هذا النقل المباشر لم يعد له معيار، وسيأتي يومٌ يقع فيه هذا النقْل في مثل “إِجا الديب إِجا الديب”، وذات يومٍ لن يعود أَحد يصدِّق أَو يهتمُّ إِذا “إِجا الديب”.
التلفزيون الذي من الطبيعي أن يحتاج مشاهديه، من الضروري أَن يحترم مشاهديه، ومقبول العادي أن يجلدهم بين كل دقيقة وأُخرى بطوفان إِعلانات متتابعة متلاحقة متراصَّة نفهم حاجته إليها كي يستمر، أَما أَن يطالعهم كل هنيهة بنقل مباشر لسياسي زار سياسيًّا ويدلي بتصريح، أَو بخبرٍ عاجلٍ عن حدثٍ أَمني أَو سياسي يقلق المواطنين، أَو بنقل مباشِر لمؤتمر صحافي سياسي عاديّ أَو مرتمر صحافي فني للإعلان عن لإطلاق مهرجان غنائي لهذا الصيف، على سطحية ما في معظم هذه المهرجانات من ليالٍ غنائية يحضرها الناس في أَي مطعم أَو فندق أَو حفلة غناء عادية لا تستحقُّ أَن تكون في برنامج مهرجان، فهذا هدرٌ وقتَ المشاهدين على نوافلَ غيرِ ملحَّةٍ للنقل المباشِر الذي لا يستخدم في بلدان العالم إِلا لِـحَدَثٍ اسـتـثـنـائـيٍّ طارئٍ مفاجئٍ يجب نقله فورًا إِلى المشاهدين.
أَما أَن يسارع التلفزيون إِلى نقلٍ مباشِرٍ لمؤتمر صحافي يمكن اختصاره في دقائق موجزة من نشرة الأَخبار إِذا كان يستحق، فهو استغلالٌ وقتَ المشاهدين على حدثٍ عاديٍّ لا يعني إلا ذويه أَو إِرضاءَ سياسيٍّ يدعم ذوي الحدَث، فاستهتار بوقت المشاهدين.
أَمّا أَن يقال إِنَّ مَن لا يعجبه ذاك النقل المباشِر لِينتقلْ إِلى محطة أُخرى، فكلامٌ نافلٌ لا يَدين المشاهدين بل يَدين المحطة التي سيأْتي يوم تكتشف فيه أَن المشاهدين أَعرضوا عنها وانتقلوا إِلى محطات أُخرى أَقلُّ ما عندها أَنها تحترم مشاهديها ولا تستهتر بوقتهم الغالي في نقل مباشِرٍ على حدَثٍ يكاد لا يستحقُّ دقيقةً عجلى في نشرة الأَخبار.
هـنـري زغـيـب