في إِحصاءَات “منظمة العمَل الدولية” أَنّ معدّل البطالة في لبنان كان 8،5% سنة 1991 وتضاءل حتى 6،8% سنة 2016، ما يؤَكِّد التحسُّنَ الطالعَ من مبدإِ أَنّ للمواطن اللبناني أَولويَّةَ الحق في الوظيفة والعمل.
غير أَن هذا الإِحصاءَ لا يشمَل إِلَّا وظائفَ رسميَّةً وشركاتٍ ومؤَسساتٍ محليَّةً كبرى تُصرِّح عن موظفيها وعمالها، ولا تشمَل المهن التجارية الحرة والمهَن الصغرى. ومع تَنامي حركة النزوح إِلى لبنان نشَأَت حالةُ فوضًى لا ضابطَ حازمًا لها باستخدامِها عُمَّالًا لا تصَرِّح عنهم ولا تُسَجلهم في الضمان الاجتماعي ولا في أَيّ سجِلّ آخر، فيفتح أَصحابُها محالَّ تجاريةً أَو يمتهنون الأَشغال الزراعية والصناعية، ويستخدمون عمَّالًا من أَيّ جنسيةٍ غيرِ لبنانية، في محطات الوقود وخدمات الـ”دلـيــﭭـري” وأَعمال التنظيف والخدمة في المطاعم وَوُرَش البناء وسواها من وظائفَ مأْلوفةٍ أَو مستحدثة، مرتبطة بخدَمات المواطنين في حياتهم اليومية اللبنانية، تَستبدل عُمَّالًا لبنانيين بمن يتوفَّر أَو يرغب من النازحين المقيمين ولو بدون أَوراقٍ ثبوتيةٍ معهم، ويقْبلون ببدَلاتٍ وأُجورٍ زهيدةٍ يرضون بها، أَيًّا تكن ضئيلةً أَو ضحلةً، لتأْمين الحدّ الأَدنى من معيشتهم المتقشّفة، ما يسبّب اندفاعَ الكثيرين من شبابنا إِلى الهجرة خارج وطنهم، أَو إِلى التسَكُّع في بلادهم يأْسًا وبدون مدخول.
هذا الخلَلُ المهنيُّ المتزايدُ – بفعل الخلَلِ الديموغرافـيِّ الحاصلِ والمرشَّحِ للتزايُد والتفاقُم بفعْل مواليدَ جدُدٍ على أَرض لبنان معظمُهم بدون قيدٍ رسمي – يوصلُنا إِلى ظاهرةٍ اجتماعيةٍ خطيرةٍ تنعكس عندنا على المجتمع المحلي اللبناني والأَجنبي المقيم، خُصوصًا أَن لا دعمَ خارجيًا مضمونًا، ولا استراتيجيةَ محليَّةً استباقية، ولا ميزانياتٍ متوفِّرةً من أَيِّ مصدر، تغطّي كلَّ هذا الإِنفاق الضخم القسْريّ على خدماتٍ يوميةٍ ولوجِسْتية.
إِن مِن أَول واجبات السياسة في البلاد، أَيِّ بلاد، أَن تُطوِّرَ حياة المجتمع بحمايةِ حقوقه سَواسيَةً بين أَبنائه، وبتأْمينِ مستلزماتِ العيش الكريم، وفي طليعتِها توفيرُ فرصِ عمَلٍ تُـؤَمِّن مستقبل مواطنيها. وإِلَّا كيف نُقْنعُ مواطنًا أَن يلتزمَ وطنَهُ ويتعلَّقَ به ويـبقى فيه، حين وَطَــنُـه يَرميه على قارعة البطالة، ولا يؤَمِّنُ له عيشًا كريمًا، بل يُــبْــقِــيــه رازحًا تحت خَطّ الفقْر الظالم، وأَدنى من مستوى العَـوَزِ الـمُذِلّ؟
هـنـري زغـيـب