قضيتُ ستّ سنواتٍ في أَميركا بين “مانهاتن” في نيويورك و”بحيرة الليمُون” في فلوريدا، وكنتُ سنويًّا في 29 كانون الثاني أُتابع استذكارَ الصحافة الأَميركية “يومَ الشاعـر الوطني” روبرت فروست (1874-1963)، هو الذي شاءَه جون كيندي خطيب الاحتفال نهار تَـوَلّيه السُلطة (20 كانون الثاني 1960)، فأَلقى قصيدةً في الوطن ولم يذكُر الرئيس بكلمة واحدة، عكْس ما يحدث عندنا من “مدائح” تبخيرية في المناسبات.
وكنتُ طيلةَ سنواتٍ، في لبنان قبل سفري وبعد عودتي النهائية، غالبًا ما أَكتُب جديدًا عن جبران في ذكرى غيابه (10 نيسان) جمعتُ معظمَها في كتابي “جبران خليل جبران – شَواهدُ الناس والأَمكنة” (منشورات درغام – 2012)، ونادرًا ما عدتُ بعدئذٍ أَقرأُ في يوم غيابه نصًّا ولو استذكارًا، ولا حتى بيانًا عن لجنته الوطنية مع أَنها فاعلة في أَنشطة عنه جيّدة.
هذه السنة ترقَّــبْتُ فلم أَقرأْ كلمة عنه في لبنان، وإِذا بي أَقرأُ في جريدة “المصري اليوم” نصًّا في زاويتها اليومية “زَيّ النهار دَه” بعنوان “وفاة جبران خليل جبران 10 أَبريل 1931”. ومع تقدير هذه اللفتة من القاهرة – وفيها صدرَت لجبران على حياته كتُبٌ موضوعة ومترجَـمة، عدا مراسلته مي زيادة وصداقتِه جرجي زيدان -، وقعَ كاتب المقال في مغالطات دلَّت على ارتجالٍ في كتابة النص وكسَل البحث المدقّق في سيرته. فجبران لم يولد في 6 كانون الأَول بل في 6 كانون الثاني، وجبران لم يَدرس “في مدرسة بشرّي الابتدائية على يد الأَب جرمانوس والأَب سمعان”، وأُمُّه لم تقرر “العودة معه إِلى لبنان كي يُتابع دراسته في “كوليج دو لا ساجيس” (كما جاء في المقال)، والذي أَرشدَه إِلى المعهد لم يكن “أُستاذه الشاعر والطبيب سليم الضاهر”، وعند وفاته لم يُدفَن في مقبرة ماونت بينيديكت “إِلى جوار أُمّه وشقيقته وأَخيه غير الشقيق”، ونقْلُ جثمانه إِلى لبنان لم يتمّ “بعد موافقة شقيقته ماريانا” بل تنفيذًا وصيَّتَه الخاصة.
لستُ هنا في معرض الرَد على المقال ودحض مغالطاته وهي كثيرة. لكنّ جبران، الأَشهَر عالـميًّا في تاريخ لبنان، يستحقُّ استذكارَه نهار وفاته، كما رفاقُه العالـميُّون في بلدانهم. أَما أَن تَـمُر ذكراهُ في لبنان فلا يــتــنــبَّــه لها أَحد ويصدُر عنه في القاهرة مقالٌ متسرعٌ بدون تدقيق مسؤُول، فهذا لا يَليق بجبران، ولا بِـلَجنة جبران الوطنية، ولا بلبنان الذي بات جبران عنوانَـه الآخر في الدنيا.
أَمام الواقع الحالي العاصف بلبنان حتى إِغفال استذكار كبير أُدبائه عالـميًّا، فلا ردّ له أَو عليه إِلَّا كلمات جبران ذاته في مرارةٍ وغضَب: “لَكُم لبنانُكم، ولي لبناني”.
وكان على حَـق.
هـنـري زغـيـب