“نقطة على الحرف” – الحلقة 1306
هذا هو الخطرُ الأَكبرُ عليكم !
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 30 نيسان 2017

 الكرسي… الكرسي… الكرسي

وصلَني بعد ظهر أَمس السبت فيلمٌ وثائقيٌّ قصيرٌ من خمس دقائق، لشدَّة ما أَقْلَقَني مضمونُهُ أُشْرِكُكُم به تعميمًا فائدتَه.

في الفيلم كرسيٌّ عليه: علبةُ سجائر، قنينةُ خمر، قطعةُ حلوى من تلك الوجبات السريعة الكثيرةِ السكاكر، وقطعةُ همبرغر كذلك من الوجبات السريعة. ويسأَل الـمعلِّق: “أَيُّـها تظنُّونَ الأَكثر ضرَرًا لكم”؟ وتروح تختفي من الصورة علبةُ السجائر ثم قنينةُ الخمر ثم قطعةُ الحلوى ثم قطعةُ الهمبرغر ويبقى الكرسيُّ فارغًا ليُعلِنَ الـمعلّق: “هذا هو الخطرُ الأَكبرُ عليكم: الكُرسيّ“. وتأْخذ المشاهدُ تتوالى لشخصٍ افتراضي: ينهض من نومه متكاسلًا، ينتقل إِلى كرسيّ الحمام جالسًا، يتناول فطورَه الصباحي جالسًا، يذهب إِلى عمله في السيارة جالسًا، يُمضي وقته في المكتب جالسًا، يعرِّج على المقهى لبعض الوقت جالسًا، يتناول غداءَه جالسًا، يشاهد فيلمًا في صالة السينما جالسًا، يعود إِلى منزله ليلًا يتناول عشاءَه جالسًا، ثم يذهب إِلى النوم مُـمَـدَّدًا ببعض تكاسُلٍ من نعاس.

وفي تشخيصٍ بصَريّ آخر يَظهر هذا الشخص الافتراضي وبالأَحمر يبدو عموده الفقْري منحنيًا إِلى الأَمام على الْتواءٍ وجمودٍ يُسبّبُهما الجلوسُ الطويل على الكرسيّ بدون حَراك، ما يؤْذي جسمَه وصحته ولو تناول جميع المنشِّطات والفيتامينات ومهما راعى أُصول الطعام الصحي.

ويشرح الـمعلّق خطورةَ الجُلوس الطويل على تراكم شحم خفيف حول الشرايين، وعلى تَراخي عضلة القلب حين لا يأْتيه الدم ناشطًا بل كسولًا. ومع تباطُؤِ جَرَيان الدم يتكاسل القلب نبْضًا وحركةً فتضعف عضلتُه ويتبعها تَراخي عضلات الجسم حين لا تعود تتغذّى من الدم في شكل نابض طبيعيّ، ما يؤَدّي مع الوقت إِلى حوادثَ صحيةٍ طارئةٍ بدون إِنذار مسبق، ليس أَقلَّها السكتةُ القلبيةُ أَو تَوَقُّفُ القلب فجأَةً بعدما تكون الأَوعية الدمَوية فسُدَت وتكاسلَت عن وظيفتها الأَساسية في استقبال الدم الذي يضخُّه القلب. وكيف يضخُّ القلبُ دمًا نظيفًا حيًّا نابضًا حين تتراخى عضلَته من طول الجلوس على الكرسي بدون حركة؟

في هذا السياق ينصح المعلّق بالحركة والقيامِ عن الكرسيّ مرة أَو مرتين في الساعة الواحدة كي لا يتكاسَل الدم في الأَوعية فَيَصِلَ متعبًا إِلى القلب الذي يَتعَب بدَوره فينهَدُّ الجسم من قلّة الحركة ويشعر الإِنسان بالكسَل والانحطاط والتعب المتكرّر والرغبة في النوم ولو في عز ساعات النهار.

ويختم الـمعلّق شرحه بإِحصاءاتٍ مخيفةٍ، لن أُشرِكَكُم بها، عن عددِ الذين يَمُوتون من جرّاء الجلوس الطويل على الكرسيّ بدون حركة وبدون إِعطاء العمود الفقْري فرصةَ استقامةِ عموديّته بعد جلَسات انحناءٍ طويلة تجعل الإِنسانَ يتَّخذ، بدون أَن يشعر، قَامةً ملتويةً أَو منحنيةً تُؤْذي الرئتين إِذ تضغطان على القلب وتَزيدَانِ تَعَبَه وكَسَلَه وتَرَاخيه الـخطِـر.

فـ… يا أَيـها الجالسون طويلًا على الكراسي، أَيِّ نوعٍ من الكراسي، تحرَّكوا… تحرَّكوا… قبل أَن تدهَمَكُم فجأَةٌ قاسيةٌ لا تنتظرونها فتقلِـبَـكُم عن الكراسي وتُطيحَكم على الأَرض صَرعى تَوَقُّف القلب، أَو صرعى… أَقدام العابرين.       

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib