إِلى أَين يريد هؤُلاء السياسيُّون أَن يأْخُذوا شعبنا بعد؟
يأْمرونه فينهمر إِلى الشارع بالآلاف أَو يتحفَّز. ويأْمُرُونه فينسحب من الشارع راضيًا مرضيًّا.
يتكلّمون باسْمِهِ فيبتسم وينشرح، ويفكِّرون عنه فيصدِّق وينشرح، ويقرِّرون عنه فيُؤْمن وينشرح.
وبين التصديق والانشراح تمرُّ المياه من تحته وهو لا يزال يُصدِّق، وينشرح، ويأْمرونه فينهمر إِلى الشارع، ويأْمُرُونه فينسحب من الشارع، كأَنه شعبٌ آلـيٌّ يُدار بالــ”ريموت كونترول”.
هذا الشعب ذاتُه، يقطعون عليه الإِنترنت بدون سابق إِنذار، ويقطعون له الطرقات بدون سابق إِنذار، ويقطعون عنه المياه بدون سابق إِنذار، ويقتطعون منه الضرائب بدون سابق إِنذار، ويدهسُون حقوقه بدون سابق إِنذار، ومع كلّ ذلك لا يزال يصدّق: يصدِّق سياسييه ويتابع أَخبارهم، يصدِّقهم ويتحمَّس لهم، يصدِّقهم ويخاصم أَصدقاءَه بسببهم، يصدِّقهم ويتضايق سرًّا من بعض تصرفاتهم لكنه يوم الانتخاب يهرع لينتخبَهم، ويعيدَ انتخابهم، ولو انهم يُـمدِّدون مرَّتين لولايتهم بدون الرجوع إِلى شعبهم الذي يصدِّقهم ويتابع أَخبارهم، ويصدِّقهم ويتحمَّس لهم، ويصدِّقهم ويخاصم أَصدقاءَه بسببهم.
هذا الاستغباءُ سيبقى سائرًا وساريًا بنجاح منقطع النظير طالَـما في شعبنا أَغنامٌ ومحاسيبُ وأَزلامٌ وأَتباعٌ ذَوُو أَكتافٍ عريضة تحمل الكراسي، وعلى الكراسي زعماءُ شعبٍ يقطعون عليه الإِنترنت بدون سابق إِنذار، ويقطعون له الطرقات بدون سابق إِنذار، ويقطعون عنه المياه بدون سابق إِنذار، ويقتطعون منه الضرائب بدون سابق إِنذار، ويدهسون حقوقه بدون سابق إِنذار، ومع كل ذلك لا يزال يصدِّق قولهم “نعمل لأَجلكم” بينما هم لا يعملون إِلّا لأَجل مصالحهم ومصالح نسلهم الموبوء بأَخطر جراثيم الفساد.
في مقولةٍ سائرة أَن التاريخ يُعيدُ ذاته وأَكثر من مرة. فلماذا هذا التاريخ لا يُعيد في لبنان سنة 1789؟ ولماذا لا تتكرَّر فيه بوابة الباستيل فينقلب لبنان من مزرعة طائفية إِلى دولة علمانية يصلّي فيها ناسها داخل كنائِسهم وجوامعهم، وخارجَها يزاولون حياة علمانية لا يتحكَّم بها يوضاسيُّون وبيلاطسيُّون وباراباسيُّون، ولا زعماءُ دينيون مسيَّسون، ولا زعماءُ سياسيون متطيِّفون يفرضون الشخص المناسبَ طائفتَهم ولو مُعاقًا بدون استحقاق أَو موهبة، ويَسنُّون قانون انتخاب وفق حساباتهم الطائفية لا الوطنية، وعلى قياس الانتخابات المقبلة لا الأَجيال المقبلة، ويَسُوسُون مرافقَ الدولة على أَنّ ما فيها ومن فيها في خدمتهم، لا على أَنهم هم في خدمة شعبٍ أَوصلهم إِلى قيادة الدولة فحوَّلوها مزرعةً أَو قبيلةً أَو عشيرةً وتصحُّ فيهم أَيُّ تسمية قطيعية أَو إِقطاعية أَو قطعانية شبيهة.
اليومَ يومُ القيامة؟ صحيح. لكنها قيامةٌ مجزوءةٌ داخلَ الكنائس وعند أَبوابها وفي تراتيلها. لكن القيامة الحقيقية، القيامة الوطنية العامة لجميع طوائف الوطن، لن تكون إِلَّا حين الشعُب، كلُّ الشعب يدحرج الحجر عن قبر الوطن فينهض لبنان من جلجلته السياسية، ويقوم فيه شعبٌ حـرٌّ من كل اتباعية وزبائنية ومحسوبية، وعندها فقط يقول بعضنا بقناعة مؤْمنةٍ: “الوطن قام”، فيجيب بعضنا الآخر: “حقًّا قام”.
هـنـري زغـيـب