“نقطة على الحرف” – الحلقة 1303
… وَلَكُمْ من بَعدِهم طُولُ البَقَاء
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 9 نيسان 2017

لا أَعرفُ حجم البقية التي، في شَعبنا، تابعَت “جلسات المساءلة والمناقشة” داخل مجلس النواب في مسلسل تلــﭭــزيوني من حلقات متتالية مثيرةٍ للجمهور الحبيب. وبــ”البقية” من شعبنا أَقصد أُولئِك الذين ما زالوا يصدّقون، ويتابعون، ويتأَمّلون، وينتظرون.

ومع أُمنيتي أَلّا تكونَ هذه البقيةُ إِلَّا ضئيلةً عددًا، وعلى طيبةٍ ُتحاذي السذاجة البريئة، أَرى أَن معظم الشعب اللبناني لم يَعُد مؤْمنًا بما يسمع ويَرى، طالما أَنّ معظمَ مَن في مقاعد الحكومة آتُون من مقاعد النواب. فكيف يمكن أَن يكونَ الـمحاسِبُ والـمُحاسَب في مقعدٍ واحد؟ ومَن يحاسب مَن؟ ومَن يسائِل مَن؟ ومَن يناقش مَن؟ ومَن يعاتِب مَن؟ ومَن يتَّهم مَن؟ ومَن يَسأَل مَن؟ ومَن يَفضح مَن؟ وكيف مَن له لوثةٌ من فساد يُقاضي سواه بتُهمة الفساد؟ مَن هو المتَّهَمُ الحقيقيّ؟ ومَن منهم بريءٌ حتى ينجو من التُهمة؟ ومَن منهم بلا فضيحة حتى يَرجُم سواه بالفضيحة؟ ومَن ليس بلا صفَقة أَو رَشوة أَو ثَـمَن توقيع حتى يُواجهَ سواه بفضْح صفَقة أَو رشوة أَو ثَـمن توقيع؟

الجلسةُ العامة التي تابعها اللبنانيون في “ساحة النجمة” هل هي لِـمُناقشة الحكومة أَم لِعرضْحالات قبيل موسم الانتخابات؟ وهل بعدها بات لدى اللبنانيين ثقةٌ أَكبر بـمُمثليهم؟ وهل بعدها ازدادوا ثقةً بِـمَن سلَّموهم أَصواتهم كي يُشرِّعوا لـمُستقبل الوطن فشَرّعوا لتمديد ولايتِهم وتجديد ثقةٍ بهم لم يُعطِهم إِيّاها أَحد؟ وهل ما شاهدَه اللبنانيون: جلساتُ مناقشَة أَم مباراةُ مناتشَة؟ وهل الذي وَقفَ النوّاب إِليه: منبر مجلس تشريعي؟ أَم متراس لتقاذُف المسبّات والاتهامات حول أُمور لا علاقةَ باستحقاقاتٍ في طليعتها قانون الانتخاب؟ وهل هم حقًا مستعجلون على ابتكار قانون الانتخاب طالما جَدَّدوا ولايتهم مرَّتين لدراستِه ولم ينتَهوا من دراستِه بعدُ وربما لَنْ، ونحن أَمام خطر السقوط في فراغ قاتل لأَزمة دستورية وسياسية كبرى؟ هل ما تابعَه اللبنانيون: محور مناقشات؟ أَم حملات كتلة ضدّ كتلة، وتيار ضدّ تيار، وموقف ضدّ موقف، وضغينة سياسية ضدّ ضغينة سياسية، وتصفية حسابات على حساب شعب مسكين ما زال يصدّق؟ وهل هذه مناقشات؟ أَم حملات لفتح ملفات وفضح اتهامات في مختلف القطاعات كسبًا لدعايات وشعبويات أَمام الكاميرات قبل الانتخابات؟ أَين المعارضة حين السائل والمسؤُول في دائرة واحدة من الارتكابات طالـما مَن يُعلُون الصوت بالتُهَم اليوم كانوا أَمس وبالأَمس موضع التُهم إِياها؟ وعلى مَن يُـمَسْرحون وَيَتَمَسرحون بأَقنعةِ العفّة والفضيلة ونظافة الكف، ورائحةُ فسادِهِم أَقوى من الروائح في مزابل الشوارع؟ كيف يحاسِبون ولم ينطقوا بِاسْمٍ صريح واحد أَو ملَف واحد بالاسم أَو بالجِهة أَو بالتفصيل أَرقامًا وأَحداثًا ووقائع؟ لماذا الاختباءُ وراء اتّهامِ السِوى وليس لهذا السِوى اسْمٌ أَو هوية أَو صفة؟ فهل هو دائمًا راجح “بياع الخواتم” المتَّهم لأَنه شخصٌ وهميٌّ غيرُ موجود؟ وتلك الفترات السابقة التي يعودون إِليها بالاتهامات، حكوماتٍ أَو ولاياتٍ وعهودًا، كيف يفتحون ملفّاتها وهم ذاتُهم كانوا أَعضاء فيها أَو أَركانًا لها أَو ضالعين في قراراتها ومشاريعها: تشريعًا وتنفيذًا في السلطتين التشريعية والتنفيذية؟ وهل نحن في فترة رَخاءٍ أَو تَرَف اجتماعي ووطني حتى يَعِيشوا ويُعيّشوا اللبنانيين في تَرَف سياسي؟

البقيةُ الباقيةُ من شعبنا، البقيةُ الساذجة الطيّبة البريئة التي كانت لا تزال تصدِّق، أَرجو أَن تكون فَهِمَتْ ووَعَتْ واستنتَجَتْ، وأَضْمَرَتْ كيف سيَكونُ انتقامُها القاسي في صُندوقة الاقتراع يوم الانتخاب… إِذا أَنجزَ النواب قانون الانتخاب بَعد عُمر طويل.

… ولَكُم من بعدِهِم طولُ البقاء!                                                                                                         

هـنـري زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib