مصعُوقًا عاد صديقي من زيارته “صخورَ نهر الكلب” بعد غيابه عن لبنان منذ 1980. وكان قَصَدَ الموقع القديم ليلتقطَ صُوَرًا جديدةً يـتـوِّج بها وثائقَ كتابٍ له عن الآثار في لبنان.
الصعقَةُ أَصابتْه من الإِهمال الفاجع اللاحق بــ”الصُخُور الشواهد”: منها ما زالت عنها الكتابات كُلِّــيًّـا، ومنها ما أُضيفت إِلى كلماتها القديمة خربشاتٌ جديدةٌ من رُعَناء أَغبياء خَطُّوا عليها سخافاتهم الـمُقْرفة وكلماتهم التافهة وأَسماءَهم الحقيرة بدون أَيِّ مسؤُوليةٍ حيال هَيبة التاريخ، ولا اعتبارٍ لأَهمية شواهدَ هي في قلب تاريخنا النابض.
ما فائدةُ أَن يَدرُس عنها تلامذتُنا حتى إِذا زارُوها صُعِقوا لرؤْيتها حجارةً بين أَدغال، ومزابلَ تقْرف منها حتى المزابل؟
ما فائدةُ أَن نَذْكر في كتُب التاريخ ماضينا المحفور على هذه الصخور ما دام حاضرُنا يغتال هذا الماضي بإِهمال الصخور؟
حتى “لَوحةُ الجلاء” (1946) تَـحَـتَّـتَ الطِلاءُ الأَسْوَد عن معظم حروفها وباتت غيرَ مقروءة، فما فائدتُها بعد؟
واللوحاتُ الصخرية الباقية متَحَــتِّــتــة كُــلِّـــيًّـا فلا إِمكان لقراءتها، كأَنها صُخورٌ عليها شخاريبُ من عوامل الطبيعة، فما فائدة إِبقائها والإِشارةِ إِليها ولا إِمكانَ حتى لاختصاصيي اللغات القديمة أَن يقرأُوها؟
أَين مديريةُ الآثار في لبنان لا تُـرمِّم هذه المحفورات بإِعادة الطِلاء الأَسْوَد إِلى جميع حروفها حتى تكونَ فعلًا آثارًا جديرةً بزيارة السيّاح والمهتمّين والعارفين؟ وما نفعُ آثارٍ في صدارة تاريخنا القديم والحديث حين تَـمّحي عنها شواهدُ التاريخ؟
أَين بلدية ضبيّه-زوق الخراب لا تفصل شرطيًّا بلديًّا يحظِّرُ رميَ النفايات، وعُمّالًا ينظِّفون الموقع؟ ولماذا لا تُنسّق مع وزارة الثقافة ومديرية الآثار في هذا الأَمر؟ ما نفعُ عمَلٍ بلدي ينظِّم السير في شوارع البلدة ولا يؤَهِّل شارعاً – شارعًا واحدًا – في حجم تاريخ لبنان؟
النداءَ النداءَ إِلى مديرية الآثار وبلدية ضبيه-زوق الخراب أَن تُبَادرا سريعًا إِلى تأْهيل موقع نهر الكلب بإِعادة الحياة إِلى حروف اللوحات، وبتأْمين حراسةٍ تَليق بالموقع وبالسيّاح والزوّار ليكون الموقع شَرَفًا يتفرَّد به لبنان منذ سحيق التاريخ.
لا المديريةُ تَنفَع إِن لم تتحرك بتأْهيل اللوحاتِ التاريخية وإِزالةِ الوحُولِ والأَتربةِ عنها، ولا البلديةُ نافعة إِذا تركَت هذا الموقع للطائشين يعبَثون بخربشاتهم عليها، ويَرمون أَمامها نفاياتهم، وتعلو حولها وبينها الحشائشُ والنباتاتُ البرية كأَنها قفْر مهجور.
قبل سنواتٍ أَهَّلت “المؤَسسة الوطنية للتراث” هذا المرفَقَ بأَعلى مستوًى حضاريّ، وتركتْهُ لـمديرية الآثار وبلدية ضبيه-زوق الخراب، على أَن تبادر كلٌّ منهما وفْق صلاحياتها بالحفاظِ عليه من الإِهمال. لكنهما لم تُـبـادرا، فعاد الموقِعُ مهجورًا تخجَل به الآثار، وتُشيح عنه مديريةُ الآثار، وباتَ خـرابًا لا يليق حتى بــ”زوق الخراب”.
يا عيب الشُوم.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib