“أَزرار” – الحلقة 984
أَين هذا الثرى من تلك الثُرَيّات !
“النهار” – السبت أَوّل نيسان 2017

مُفرِحٌ صُدورُ كتاب “الثُريَّـا – حلقةٌ وشباب” عن “منشورات جامعة سيّدة اللويزة”، ضَامًّا 100 محضرٍ ومحضرًا لجلسات “حلقة الثُريَّـا” (9 كانون الأَوّل 1956 – 4 نيسان 1961) تليها أَصداءُ الصِحافة عنها، وباقةُ صُوَرٍ استعادية من أَنشطة “الثُريَّـا”، وتُـتَـوِّجُ هامتَها كلمةُ إِدمون رزق عَرّاب الكتاب مُقدِّمًا وُرُودَ وفاءٍ إِلى زملائه المؤَسِسين معه: جورج غانم، ميشال نعمة، شوقي أَبي شقرا.

مُفْرِحٌ، قلتُ، لأَن هذا الكتابَ/الذاكرة أَخَذَني إِلى زمانِ عافيةٍ سطَّرتْهُ مَدرسِةُ أَدبٍ لبنانيةٌ سطعَت مع غروب الثلاثينات وأَشرقَت علاماتٍ مضيئةً سحابةَ أَربعةِ قرونٍ زاخرةٍ بالجنى الطيّب.

أَخَذَني إِلى أَجواء “ندوة الاثني عشر” ووريـثـتِـها الوفيّة “الندوة اللبنانية” مع رائدها ميشال أَسمر، إِلى كوكبة الأُدباء في “المكشوف” حول فؤَاد حبيش، إِلى “جمعية أَهل القلم” مع صلاح لبَكي، إِلى “خميس مجلة شِعر” مع يوسف الخال، وإِلى حلقاتٍ شبيهةٍ أُخرى (معظمُها في قاعة وزارة التربية – بناية الشرتوني – ساحة الدباس) صقَلَتْ “لُغةً” في الأَدب بين تطويـر الجماليا وتَـثـويـر التجديد، وأَطلقَتْ فَــتْــرَتَــئِــذٍ مرحلةً في سماءِ الأَدب العربي نُجومًا شارك مُعظمُهم في أَكثرَ من حلقة، لكنّ الجنى جامع، والموسمَ جامع، والجماعةَ بَـيْدَرَتْ نتاجًا أَدبيًّا هو اليومَ خبزٌ لِلُبنانَ الأَدب شعرِه والنثر.

 وأَخَـذَني كتاب “الثُريَّـا” إِلى مفهوم الصالون الأَدبي الراقي كـ”صالون مدام ريكاميــيه” في ﭘـاريس و”ثلثاء مي زيادة” في القاهرة، وصالوناتٍ أُخرى لم تكن مجرد “تَـجَمُّعٍ تَسْلَوي” بل محطةً دوريةً لسَماعِ جديدٍ أَو مناقشةِ كتابٍ أَو نَسْجِ حركةٍ أَدبية تُزهر نتاجًا، مثلما “حلقة الثُريَّـا” لم تقتصر على لقاءاتٍ “إِخوانيةٍ” بين أَفرادِها بل أَزهَـرَت أَناقةً، وأَثمرَت كتُبًا لِـمُؤَسِّسيها، شعرًا ونثرًا، وأُمسياتٍ شعريةً وأَدبيةً استقطبَت كبارَ عصرها وحاورتْهم.

 بلى: أَخَذَني كتابُ “الثُريَّـا” إِلى جَـوٍّ أَدبـيٍّ نقيٍّ نَفتقدُهُ اليوم، كان في زمانه محورَ أَحاديثَ لبنانيةٍ تنتظرُ إِطلالاتِ رُوَّادِه، أَيّامَ حضورُ الأُمسياتِ الشِعرية حاجةٌ، ومُتابعةُ الأَنشطة الأَدبية متعةٌ، أَيامَ كانت قصيدةٌ من سعيد عقل مانشيت الصفحة الأُولى في الصحف، ومهرجاناتُ الأَخطل الصغير وشبلي مَلّاط وكرم ملحم كرم وأَنطُون قازان حدِيثَ المجتمع وَحَدَث الفترة، أَيّامَ كان صدوُر كتابٍ مميَّزٍ لشاعرٍ أَو أَديبٍ مَدارَ نقاشٍ على صفَحات المجلّات والصحف، أَيّامَ كانت في الصحف والمجلّات صفحاتٌ أَدبيةٌ وثقافيةٌ غابَت اليومَ كما غابَت حلَقاتٌ أَدبيةٌ مثمرةٌ أَين منها حاليًّا حلقاتٌ “إِخوانية اجتماعية” في حانةٍ أَو مقهى أَو بيتِ أَحَدهم، على كركرةِ أَركيلة ونقْرةِ عود وسُحُبِ دخان وصَحن بزورات، تتعاطَى بخفَّةٍ كلامًا يتيمًا لا هو في الشِعر ولا في الأَدب، ومعظمُها تحت يافطة “تكريم” عقيم لا يَـنتُجُ عنه جَــوٌّ أَدبـيٌّ بل جَــوُّ دخان… يذهب إِلى النسيان… فورَ انفراط الإِخوان… وتَـبَـعـثُـرِ سُحُب الدخان… في خَـلاء المكان!

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib