“نُقطة على الحرف” – الحلقة 1300
خطَـر الغول بــين شَفْط الدُهون وشَفْط السُيُول
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد  19 آذار  2017

بين معالجات الجراحات الطبية والتجميلية، عمليةُ شَفْط الدُهون، يخضع لها من يريد أَو تريد تخفيف احتقان الشحُوم المتفشّية في الجسم دَرْءًا خطَرها إِن لم تكن لإِزالته. وفي هذه العملية تردُّداتٌ ومفاعيلُ، بعضُها حذِرٌ والآخرُ أَقَلُّ خطرًا، وفْقَ براعة الطبيب الـمُعالِج وما بين يديه من أَدواتٍ ومعَداتٍ وآلاتٍ متطوِّرة ذاتِ أَثـرٍ كبيرٍ في إِنجاح العملية وإِلّا تظهر نُدوبٌ ذاتُ نتائجَ سيئَةٍ قد تبلغ أَن تكون مدمِّرةً وقاتلة.

ذكَّرني بــ”شَفْط الدُهون” مشهدُ المواطنين الذين في مطلع هذا الأُسبوع – كما في مطلع موسمِ الـمطر كُـلَّ شتاء – غرِقوا في بحار الطرقات وأَنهار الأُتوسترادات وسُيُول العَبَّارات، فكان لا حولَ لهم ولا حيلةَ سوى انتظار الفرَج في غابة السيارات وانتظار آليات شَفْط السُيُول حيثُما توفّرت، كي ترفعَ الفيَضانات عن الطرقات دون أَن ترفع لَعنة المواطنين على مسؤُولين، غيرِ مسؤُولين، لا يتحسَّبون للتشارين، ولا يستبقون الكوانين، ولا يتَّبعون القوانين، بل يتركون المطر ينهمر ولا يستكين، ويتركون الطرقاتِ تفيض بأَرهب من هجوم الغيلان والتنانين، ويتركون المواطنين، حفنةَ مساكين، بلا خلاصٍ ولا معين، فيما هم يمارسون التنظير اللعين، على كيفية إِصلاح القوانين، وتغيير الموازين، وليسوا بسواها مشغولين. فيا ما شاء الله على عبقرياتهم تُـهرهِرُ منهم كما تُـهرهِر أَوراق الشجر على رصيف الخريف.

وكما شَفْطُ الدهون يتطلّب، كذلك شفطُ السيول يتطلَّب هو الآخَر أَدواتٍ ومعَداتٍ وآلاتٍ وآليّاتٍ بعضُها موجود وكثيرُها مفقود، وهنا خطرُ الغُول في شَفْط السيول.

وإِذا شَفْطُ الدُهُون يَستوجب طبيبًا معالِجًا بارعًا في التشخيص واستباق النتائج الكارثية، فشَفْطُ السيول يتطلَّب مسؤُولًا بارعًا في التشخيص والتمحيص كي لا يقعَ المواطن في حِيص بِيص. وهذا ليس متوافرًا عندنا في الوقت الحاضر كما لم يكن متوافرًا في الوقت الماضي، ولا أَمل أَن يتوافر لاحقًا مع طقْم مسؤُولين، غيرِ مسؤُولين، وغيرِ مبادِرين، وغيرِ مستبِقين، يظـلُّون غافلين، حتى انفجار السُيُول في التشارين والكَوانين، والسيول تعُمُّ الغرقانين، ولا تنتظر الكسلانين، ولا المهمِلين، ولا الغافِلين، بل تنفجر من بطن الأَرض إِلى الطُرُقات بحيرات بحيرات، والمواطنون يهلكون في السيول يائسين من كل مأْمول.

في التعبير الشعبي مقولةُ “يلّي بَدُّو دحّ، ما بيقول أَحّ”، غير أَن المواطنَ اللبناني صوتُه انْبَحّ، وهو يقول “أَحّ”، فما من شيء “صَحّ”، في مواسم الــ”شَحّ”، لأَن في مغارة الأَربعين “وحّ”، متربّعين على عُروش الترغيب، فوق أَكتاف المحاسيب، بدون رقيب، ولا حسيب.

وإِلى أَن يتغَيَّرَ طَقْم هؤُلاء المسؤُولين يتوارثهم شعبُنا من زعيمِهم إِلى ابنه (من غير شر) إِلى حفيده (يا أَطال االله عمر الحفيد)، سيبقى شعبُنا رازحًا تحت كراسي زعمائه، يحملهم عليـها فوق أَكتافِه عُميانيًّا أَغناميًّا ويُهَلِّل بَـبَّـغاويًّا “بالروح بالدم نفديك…”،  وستظلُّ طرقاتُنا تَفيض بالسُيُول وسوف يظل شَفْطُها عالقًا في فَخّ القدَر كما شَفْط الدُهون باقٍ عالقًا في فَخّ الخطر.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib