“نقطة على الحرف” – الحلقة 1299
أُصولُ المراسلات الإِلكترونية
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 12 آذار  2017

بين الثوابت والعوابر، تبقى الثوابتُ معايـيرَ دائمةً ومقايـيسَ دامغةً من جيلٍ إِلى جيل.

وإِذا تطَوُّرُ التكنولوجيا عابرٌ يتغيَّرُ بين فَينةٍ وأُخرى، فالأَخلاق ثابتةٌ في كلّ فَينةٍ وجيلٍ وعصْر.

أَقول الأَخلاق وأَقصدُها في كل قطاع: الأَخلاق الاجتماعية، الأَخلاق المهنية، الأَخلاق الشعبية، وسواها.

أَتَوَقَّف اليوم عند الأَخلاق الاجتماعية، وتحديدًا: أَخلاق المراسلة. فكما للرسائل البريدية الورقية تقاليدُها وأَخلاقُها وآدابُها وأَساليبُها وطُرُقُ المخاطبة والكتابة، تنتقل هذه التقاليدُ والأَخلاقُ والآدابُ والأَساليبُ والطُرُقُ هي ذاتُها إِلى الرسائل الإِلكترونيّة.

في هذه الأَخيرة ذِكْرُ المرسِل والمرسَل إِليه والتاريخ والموضوع، يقتضي مَلؤُها قبل البدء بكتابة النص.

وفي النص آدابٌ خاصة لمخاطبة المرسَل إِليه بدءًا بتحيّته، احترامًا أَو أَدبًا أَو تَوَدُّدًا، قبل عرض موضوع الرسالة.

وفي الرسالة الإِلكترونية ثلاثةُ عناوين:

الأَوّل: هو المرسَلُ إِليه مباشرةً، تتوجَّه إِليه الرسالة مخاطَبَةً ومضمونًا.

الثاني: هو عنوانٌ اختياريٌّ (cc) لنسخةٍ قد يرسلُها صاحبُ الرسالة إِلى عنوانه كي يتأَكد من بلوغ رسالته المرسَلَ إليه، أَو يرسلُها إِلى شخص آخَرَ غيرِ المرسَلَة إِليه، وليس لهذا لشخص الآخر أَن يجيب بل يأْخذ علمًا بالموضوع ويحتفظ به إِلَّا حين يطلب المرسل جوابًا.

العنوان الثالث: هو عنوانٌ مَـخفيٌّ (bcc) لشخص ثالث لا يَظهر لدى الثاني المرسلِ إِليه ولا يعرفه سوى المرسِل حين يَوَدُّ إِعلام هذا الشخص الثالث بما كتَب للمرسَل إِليه. وهنا أَيضًا ليس على هذا الشخص الثالث أَن يجيب.

وتمامًا كما في الرسالة البريدية الورقية، تلتزم الرسالة الإِلكترونية بـأُصول كتابة الرسالة، كالعودة إلى السطر، وبدْئه بهامشٍ فارغ كي يظهر أَنه سطر جديد. والرسالةُ الإِلكترونية، كما الوَرَقية، تستوجب احترام علامات الوقْف من نقطة وفاصلة ونقطة فاصلة وإِشارات الاستفهام والتعجُّب وأَدواتِ تنقيطٍ أُخرى تَجعل النص يتنفَّس بين كلماته وأَسطره وفقراته ومقاطعه المتتالية على صفحة الرسالة.

إِنه إِذًا فنُّ المراسلة ينتقل بتقاليده وأَخلاقياته ونُظُمِه إِلى الرسالة الإِلكترونية فلا تُفرِّقها عن الورقية إِلا سُرعة الوصْل والتواصُل والإِيصال والمواصلة، وبقواعدَ متَّزنةِ التبليغ والبُلُوغ: لغةً واحدةً لا تُـخالطُها تعابيرُ هجينةٌ من لغةٍ أَو لغاتٍ أُخرى، وحرفًا واحدًا لا تخالطه أَرقامٌ أَو حروفٌ أُخرى من لغةٍ أُخرى لكلماتٍ أُخرى يمكن التعبير عنها في لغة الرسالة ذاتها.

لذا قلتُ في أَوَّل هذا الكلام أَنْ إِذا تطَوُّرُ التكنولوجيا عابرٌ يتغيَّرُ بين فَينةٍ وأُخرى، فالأَخلاقُ ثابتةٌ في كلّ فَينةٍ وجيلٍ وعصْر.

ومن هذه الأَخلاق: فنُّ المخاطبة الكتابية بِــأُصُول ليست تقْنيةً وحسْب، بل تعكسُ واضحةً شخصيةَ كاتبِها قيمةً وأَخلاقًا.

 هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib