“نقطة على الحرف” – الحلقة 1298
عَــمَّن تَــبْـحَـثُ الصُحُف بعدُ… كُلَّ صباح؟
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 5 آذار 2017

طالما الحدث ينتشر فور حصوله، خَبَرًا وتفاصيل، إِذاعيًّا وتلفزيونيًّا وتَوَاصُلًا إِلكْترونيًّا، ماذا يبقى إِذًا من وظيفة الصُحُف؟

طالما الصحافيون المتمرِّسون لم يعودوا يكتبون سوى مقالاتهم وتعليقاتهم وآرائهم وتحليلاتهم في أَعمدتهم اليومية أَو الأُسبوعية، أَيُّ دورٍ إِخباريٍّ يبقى للجريدة في اليوم التالي؟

طالما المسؤُولون في الصحافة الورقية أَو الإِلكترونية يتعمَّدون عناوين باهرة الجذب فضائحيًّا أَو جنسيًّا أَو أَخبارَ ملابسِ فنانة أَو طلاق أُخرى أَو خصام ثالثة مع زوجها أَو عشيقها أَو طليقها، أَين تبقى الجِدِّيَّة في صفحات الجريدة؟

طالما زوايا “الأَكثر قراءةً” في الصحف هي المزدحمةُ بأَخبار السياسيين الشخصية أَو بأَحداث غريبة أَو نادرة أَو صادمة في لبنان والعالم، كيف للقارئِ الجادِّ بعدُ أَن يقتنع بقراءة الجريدة، وغالبًا ما يكون العنوان جاذبًا إِنما لا علاقة مباشِرةً له بمضمون الخبر، بل الأَهمُّ جذْب “الرايتنغ” إِلى قراء هذا المستوى الخفيف ولو على حساب صحة المعلومة أَو دِقّتها أَو عُمقها، وبدون التأَكُّد من مصادر الخبر؟

طالما غابت عن معظم الصحف المحلية الصفحاتُ الثقافية والأَدبية والفكرية لتحلَّ مكانها صفحاتُ أَخبار اجتماعية مسطَّحة وفنية سخيفة ومنوعات خفيفة، كيف يجد القارئُ نقدًا لكتاب، أَو تحليلًا لـمَسرحية، أَو قراءةً معمِّقةً للوحةٍ أَو معرضِ رسم أَو نحت، أَبعدَ من عرضٍ أُفُقيٍّ سردِيٍّ لكتابٍ أَو مسرحيةٍ أَو أُمسيةٍ موسيقيةٍ، يتداخل فيه الشخصيُّ الخاصُّ مع الانطباعي الذاتي، لا برأْي اختصاصيين بل بكتابة محررين عاديّين يكتبون يومًا في الزراعة ويومًا في التربية ويومًا في السياسة، فلا ملفَّ جِدِّيًّا يَطرحُ مسأَلةً أَو يُثير إِشكاليةً أَو يُعلي الصوت نداءً أَو لفْتًا إِلى أَزمة في الأَوساط الثقافية؟

طالما ينتشر هذا التسطيح في الكتابة الصحافية وأُسلوب الخبر بِلُغة ركيكة، فعَن أَيِّ قارئٍ بَعدُ تبحث الصُحُف، ولم تَعُد فيها سوى أَخبار خفيفة ونُصوصٍ سخيفة ومعلومات ضعيفة حَيالَ ما يكون سبَقَها في اليوم ذاته عند حُصُول الحدث؟

طالما باتت الصفحات، في معظمها، مليئةً بالصُوَر وكلام الصُوَر والتعليق على الصُوَر، فأَين العمل الصحافي؟ وأَين ما يحتاجه القارئُ من إِضاءاتٍ اقتصادية أَو مالية أَو ثقافية كان يطلُبها من الصحُف كي يستنير بآراء كاتبيها؟

طالما معظم الصحُف باتت تنقل أَخبارَها ومواضيعَها عن وكالات عالميةٍ نُصُوصًا وصُوَرًا، فما قيمةُ الجريدة صباحَ صُدُورها؟

هذا بعضُ ما بلغَهُ واقعُ الصُحُف اليوم، وهذا بعضُ ما يفسِّر انصرافَ القراء عنها، فانخفاضَ مبيعاتها، فقرارَ أَصحابها بوقْف صُدُورها. وعندئذٍ ليس العتَب على القرّاء، فلا قيمةَ لجريدةٍ لـم تَعُدْ تأْتي بِـجديدٍ، وتاليًا لـم تَعُدِ انتظارًا فكريًّا وذهنيًّا لقارئها كلَّ صباح.

هـنـري زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib