جاءني أَمس السبت خبيرُ المحاسبة كي أُوقِّع له على بيان احتسابه ما عليّ دفعُه للدولة ضريبةَ دخْلٍ عن إِيراداتي السنوية كي يرفع البيان إِلى وزارة المالية. وفيما أَنا أُوقِّع على البيان كنتُ أُفكّر بمصير هذه الضريبة التي عادةً تفرِضُها الدولة على المواطنين لقاءَ تحسينِـها عيشَـهـم ومعيشتَـهم وتسهيلِها لهم بنيةً تحتية ملائِمةً حياتَـهُم اليوميةَ ووضعَهم الاجتماعي والشخصي.
الدوَلُ التي تحترم مواطنيـها تأْخذ منـهم الضرائب وتُعيدها إِليـهم خدماتٍ صحيةً واجتماعيةً وسواها، فيشعر المواطن أَنه يدفع الضريبة لصالحه لا لصالح الدولة التي في رأْس واجباتـها أَن تؤَمِّن له ما يريحه في جميع الفصول.
فماذا عندنا نحن في جميع الفصول؟
في شتاء التـزلُّج والرياضات الشتوية، تطوف الطرقات والأَنهار وتنغلق الطرقات الجبلية وينعزل عليـها المواطنون، وفي المدينة يَغرق المتوجهون إِلى أَعمالهم في بـحار الطرقات وتغرق بيوتهم في موجاتِ برْدٍ لا تنقذهم منها وسائلُ تدفئةٍ يعطِّـلها انقطاعُ الكهرباء ولا يحتملُها الـمولّد في الحـيّ.
في صيف العُطَـل والـمهرجانات تندلع مناطقُ الاصطياف حرائقَ لا تكفي لإِطفائـها سيارات الدفاع المدني، ولا أَملَ باستخدام الـمروحيات المخصصة للحرائق لأَنها مركونة في سبات عميق لافتقادها إِلى قطع الغيار.
في خريف المدارس والجامعات تـهوي الأَشجار واللوحات الإِعلانية الكبيرة على الأَرصفة ولا يبعد بلاواها إِلا النذور لجميع القديسين.
في ربيع الأَعياد الزاهية يُمضي المواطنون وقت زيارات المعايدات مكبّلين في سياراتهم وسط زحمةِ سيرٍ تَقتل الوقت والأَعصاب وبهجةَ العيد وحلْم الأَطفال.
هكذا في الأَربعة الفُصول تتدحرج على الشعب اللبناني بَـلاوٍ هي أَكثر من بلايا تربُض على صدور الناس ولا أَمل يُرجـى أَن تتحسن في الـمدى المنظور: بين بَلوى الطُرُقات الخطرة، وبَلوى انقطاع الكهرباء، وبَلوى انقطاع الإِنترنت، وبَلوى انقطاع الطُرُقات: شتاءً بالطوفان وصيفًا بـزحمة السير لافتقاد الـمواطنين إِلى طرقاتٍ سهلة ما زالت تحلُم طوباويًّا بـجسْر جل الديـب.
لا أُريد بـهذا أَن أَتشاءَمَ فلا أَرى إِلَّا النصف الفارغ من الكوب. لكنّ بلد السياحة المميزَ في الفُصول الأَربعة تَلزمُه مقوِّماتٌ لوجستيةٌ تُقنع الأَجانب بِــوُجهته السياحية، وتُقنع الـمواطنين بِـوُجهته الضريبية فلا تعود بَـلاوي يوميةً وبلايا ورزايا بل تصبح عطايا وهدايا يَدفع المواطنون لأَجلها ضريبتَـهُم بفرح لأَنهم سيقطِفُونها في كل موسمٍ من الأَربعة الفصول تقدِماتٍ لهم تجعلُهم يشعرون أَنهم في دولةٍ تخدمُهم لا تقضمُهم، وتحميهم لا ترميهم، فيُؤْمنُون أَنهم فعلًا في وطنٍ تستحقُّه دولتُه حين تكون مسؤُولةً حقًّا، وحاضرةً حقًّا، وحازمةً حقًّا، وراعيةً حقًّا، فتجعلُه لأَبنائـها وطنًا سائغًا هانئًا في جميع الـمواسم والفصول.
هـنـري زغـيـب