ينشغل الإِعلام هذه الأَيام بمشكلةِ برامجَ تبثُّها محطات تلفزيونية، فيها عروضٌ استفزازية يعترض عليها معظم المشاهدين، وتدور حولها مماحكاتٌ بين مسؤُولين وغير مسؤُولين، على أَنه “عيب” صدورُها من شاشاتهم.
غير أَن العيب لا يقتصر على تلك البرامج التي “يتلذَّذ” بعض المشاهدين بمتابعتها فترتفع نسبة المشاهدة ويتهافت عليها المعلنون ولو أَطاحوا معايـير الذوق والحشمة والأَخلاق.
العيب أَن تبدأَ نشرات الأَخبار بـ”محاضرة” تنظيرية في الوضع السياسي تجعل المحطة متراسًا يصوِّب على آخر، ومعظم المحطات عندنا مسيّسة أَو منحازة أَو يملكها مباشرَةً سياسيون تنطق باسمهم وتروِّج لأَفكارهم ونواياهم.
العيب في معظم برامج الـ”توك شو” التي تفتح المجال عريضًا لوجوه سياسية تلتمس النجومية الشعبية من مواقف تدغدغ غرائز المشاهدين وتشحنهم غيظًا أَو حقدًا أَو اتّباعًا شعبويًّا أَعمى.
العيب في مذيعات ومذيعين يُغَطُّون الحدث ميدانيًّا في ساحة حُصوله، وباسم “السبَق” الإِعلامي يمارسون الاستفزاز والتحريض والحرص المقصود على نقل مَشاهدَ أَو مقابلاتٍ تَصُبّ النار على حطَب الوضع السياسي أَو الأَمني.
العيب في السماح لمذيعاتٍ يَظهرن على الشاشة بــ”فيض” من العري في شكلهنّ أَو لباسهنَ حتى “ينشغل” المشاهدون بشكلهن ويُغفلون عن مضمون كلماتهنّ.
العيب في غياب أَفلام محلية أَو عالمية، ومسرحيات محلية أَو عربية أَو عالمية، وبرامج تسلية وأَلعاب ومنوعات لائقة بمستوى ذكاء المشاهد لا بالضحك عليه.
العيب في السماح لمذيعات أَو مذيعين يستضيفون زائرًا يَجلدونه بأَسئلة خفيفة سخيفة مرتجَلة عادية، بعيدة عن اختصاصه، ما يدل على أَنهم لم يحَضِّروا مقابلتهم ولم يقرأُوا عن الضيف وموضوع اللقاء به.
العيب في برامجَ تسلوية تافهة سَمِجة تعتمد الأَلفاظ العاهرة والغمز الجنسي والأَلعاب البذيئة من أَجل إِضحاك الناس فيما هي تثير اشمئْزازهم وسخْطهم والأَسف على برامج يتابعها العالم فيَحكُم أَنّ هذا هو مستوى الشعب اللبناني وهذه أَخلاقياته.
العيب في غياب المعايـير الأَخلاقية والأَدبية والسياسية والاجتماعية حتى ليغدو التلفزيون عندنا “كراكوز صندوق فرجة” لا ضابط له ولا وازع ولا رادع، مع أَن عندنا مجلسًا وطنيًا للإِعلام مفترضٌ فيه أَن يكون العين الساهرة على البرامج قبل عين السهرانين أَمام الشاشة.
العيب أَلّا يكون في كل محطة تلفزيونية مديرُ برامج حازمٌ جازمٌ حاسمٌ يتابع ويراقب ويمنع ويردع ويحاسب، قبل أَن تخرج على الأَثير المحلي والفضائي برامجُ يأْباها الذوق وترفضها الرصانة ويمجُّها الجمهور الجادّ.
ليس لوزارة الإِعلام على المحطات التلفزيونية سوى سلطة وصاية لا رقابة؟ عال. إِذًا فليَقُم المجلس الوطني للإِعلام بواجباته كي نشعر بوجوده الضابط أَخلاقيات مهنة الإِعلام.
الإِعلام غير المسؤُول هو كرم على درب، والإِعلام السائب يعلّم التلفزيونات كلَّ سخيفٍ وكلَّ تافهٍ وكل حَرام.
هـنـري زغـيـب