“أُؤْمن بكُم وبقَدَركُم. وأُؤْمن بإِسهاماتكُم في هذه المدنيّة الجديدة، وبأَنكُم ورثتُم عن أَسلافكُم حلُمًا قديمًا وأُغنيةً ونُبُوءَةً تفخرون بوضْعها هديةَ عرفان في حضن أَميركا.
أُؤْمن بقُدرتكُم أَن تقولوا لمؤَسِّسي هذه الأُمّة الكبرى: “ها نحن أَرومةٌ فتيةٌ صبيّةٌ جذورُها مقتلَعَةٌ من جبال لبنان، وجذعُها مزروعَةٌ عميقًا هنا وإِنها سـتُـثـمِـر”.
أُؤْمن بوُقوفكُم أَمام الـمُبارَك أَبراهام لنكولن مُـخاطبينَه: “حين تكلَّمتَ كان يسوع الناصري يلمس شفتَيكَ، وحين كتبتَ كان يَهدي يدَكَ، ونؤَيّد كلَّ ما قلْتَه وما كتبْتَ”.
أُؤْمن بأَن آباءَكُم جاؤُوا هذه الأَرض فأَثْرَوا، وبأَنكم وُلدتُم لتكونوا أَثرياء بذكائكم والعمل، ومواطنين صالحين.
وما المواطنيّة الصالحة؟ هي أَن تعترفوا بحقوق السِوى قبل الدفاع عن حقوقكُم إِنما من دون إِهمالها. هي أَن تكونوا أَحرارًا بكلمتكُم وعملكُم وتَعُوا أَن حريتكُم مرتبطةٌ بِـحُرية السِوى. هي أَن تُنتجوا من عملكُم وحدَه وأَن تُنفِقوا أَقلّ مما تُنتجون فلا يكون أَولادكُم عالّة على الدولة حين تَرحلون. هي أَن تقفُوا أَمام أَبراج نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرنسيسكو مردِّدين في قلوبكُم: “نحن أَحفادُ شعبٍ بنى دمشق وبيبلوس وصور وصيدا وأَنطاكية، وإِننا هنا نُضمِر أَن نبني معكُم”.
فاخِروا بأَنكُم أَميركيون إِنما افتخروا أَيضًا بأَن آباءَكُم وأُمَّهاتكُم جاؤُوا من أَرضٍ بسَطَ اللهُ عليها كفَّه الكريمة وأَطْلع منها رُسُلَه.
يا أَبناءَ الجيل الأَميركيّ الجديد، ذوي الجذور من سورية، إِني أُؤْمن بكُم”.
***
هكذا خاطبَ جبران أَبناء مواطنيه الذين هاجروا إِلى أَميركا من الدُوَل التي باتت اليوم لبنان وسوريا وفلسطين، وكان لكَلامه وقْعٌ ساطعٌ حين نشرَه في العدد الأَول (تموز 1926) من مجلة “العالم السُوري” التي أَصدرها شَهْرَئِذٍ الصحافي اللبناني سلُّوم مكرزل، شقيقُ الكبير نعوم مكرزل مؤَسِّس “الهدى”، وهما اليوم يرقُدان في بلدتهما “الفرَيكة” على خطواتٍ من ضريح مواطنهما أَمين الريحاني ومتحفه.
هكذا شَهَر جبران اعتزازَه بمواطنيه ودعاهُم، بدون نسيان أُصولهم، إِلى الاندماج في الشعب الأَميركي بعيدًا عن كل شوﭬـينية وانعزال وتقوقُع وتعصُّب وعصبيّة عِرقية ومذهبية، وزيَّن لهم أَهمية انفتاحِهم على السِوى وحَـمْلِ جُذُورهم في سلوكِهم كي تقِيهم من كل عنْفٍ وانغلاقٍ وظلامية.
هكذا تركَ جبران وصيتَه إِلى أَبناء “دمشق وبيبلوس وصور وصيدا وأَنطاكية” كي يَظَلُّوا على وفاءٍ للأَرض التي جاؤُوا إِليها، وعلى ولاءٍ للأَرض التي جاؤُوا منها، فيكونُوا بِـهذَين الوفاء والولاء قدوةً في مجتمعِهم الجديد، ويظَـلُّوا فوقَ الشبُهات والشكُوك فلا يتَّهمهم يومًا مواطنٌ أَو مسؤُولٌ أَميركي بأَنهم إِرهابيُّون أَو متشدِّدُون أَو عملاءُ يسبِّـبُون أَذيَّةً للشعب الأَميركي.
هكذا، قبل 90 عامًا، خاطبَ جبران “مستر دونالد ترامْپ”.
هــنــري زغــيــب