اصطدَمنا هذا الأُسبوع بتقريـرٍ مُريعٍ حملَه إِلينا مؤَشِّرُ الفساد الصادرُ عن “المنظَّمة الدُوَلية لرصد الشفافية” في برلين، وفيه سقوطُ لبنان الدولة سنة 2016 إِلى المرتبة 136 في سُلّم 176 دولة في العالم.
136! إِنه رقمُ العار. ويزداد عارًا أَن لبنان في هذا التقرير العالـمي تراجعَ 13 مرتبة عن العام الأَسبق 2015.
الأَرقام في مؤَشِّر التقرير مبنيَّةٌ على أَنّ “العلاقة الـمباشرة بين الفساد وعدم المساواة تَخلُق خلَـلًا في حرمان الشعب من متطلّبات الـمعيشة، في عدم توزيع الحقوق بشكل عادل، في فشل السيطرة على الفساد، في انعدام المساواة بين أَصحاب الحقوق، وكلُّ هذا يَخلُقُ شَعْبَوِيَّةً يستغلُّها السياسيون“.
أَين لبنان الدولة من معيار الفساد هذا؟ لعلَّه في صدارته الواضحة. فلا يكفي إِصدارُ القوانين كي يصطلحَ الوضعُ ما دام واضعو القانون يَحمُون فيه مصالِـحَهم لا مصالِـحَ الشعب، وما دام الفاسِدون يَحميهم مَن يُفترض أَنهم يُصْدِرون القوانين إِنما يطبِّقونها لـمصالحهم فلا نشهد محاسبةَ فاسدين ولا حتى الإِعلانَ عن أَسمائِهم، مُخالفين أَو مرتَشين في بعض الإِدارات العامة، ولا تظهر أَسماءُ حُماتِهم كبارِ موظَّفين أَو مسؤُولين سياسيين يُغَطُّون كوارثَ فسادٍ يرتكبُه علَـنًا أَزلامهم ومحاسيبُهم المندسُّون “شرعيًّا” و”قانونيًّا” في مفاصل الإِدارات العامة، لا يُنتجون ويتقاضَون رواتبَهم، لا يَحضَرون إِلى العمل ويُطالبون بحقُوقهم، ولا يَظهرون إِلّا في التظاهرات والإِضرابات مدفوعين بِــزِرٍ سِحريٍّ يضغَطُ عليه سياسيُّون يوافقون بسرعةِ البرق على صرف تعويضاتِهم وَيتركُون لعطش الصحراء أَن يتحكَّم بطيئًا بتعويضات الموظفين.
ما نَفع القانون إِذًا؟ نفْعُه أَنه يَزيد من شَعْبَوِيَّةِ سياسيٍّ يتغَرغر بالكلام على قانونٍ جديدٍ طالعٍ من قلب الفساد كي يَحمي الفساد والفاسدين، بينما تنام في الأَدراج قوانينُ نافذةٌ لا تُقَرّ، وإِذا أُقِرَّت لا تُطَبَّق، ولنا شواهدُ صافعةٌ كلّ يوم على عدَم تطبيقها، من قانون السَير إِلى قانون الحَدّ من التدخين في الأَماكن المقفَلَة، إِلى قانون المتعاقدين الاستنسابي يُثَبِّت البعضَ ويصرف الباقين إِلى الشارع تعسُّفيًا بدون تعويضاتٍ كي يواجهوا مصيرَهم الفاجع.
إِن قانونًا يُصْدِره فاسدون يَحمون فاسدين، يزيد من شَعْبَوِيَّةِ مطْلقيه بزيادة أَزلامهم ومحاسيبهم، نموذَجُه قانونُ الانتخاب المتداوَل اليوم في شَعْبَوِيَّاِت سياسيين يزاولون كيدَهم السياسي، ودلَعَهم السياسي، ونَكَدَهم السياسي، و”ﭘــوانتاجات” حساباتهم الانتخابية، فَيَبْنُون تصاريحَهم على مبدإِ مصالحهم في الانتخابات المقبلة لا على مصالح لبنان في الأَجيال المقبلة.
وما دام الأَمرُ هكذا: فاسِدُون يَحمُون فاسدين، فما جَدوى إِنشاء وزارةٍ جديدةٍ لمكافحة الفساد، إِن لم تجدْ في الرقم 136 مرتبةَ الفساد في لبنان بين 176 دولة في العالم فتَأْخُذْهُ إِخبارًا صافعًا نافعًا، ولا فاعليةَ لـوزير الدولة لمكافحة الفساد إِن كان لن يَنهال على الفَساد بكرباجٍ يَسقُطُ أَوَّلًا على رؤُوس الفاسدين المفسدين من أَهل البيت الذين يرقصون علَنًا وشرعيًّا لأَن أَسياد البيت مُولَعون أَصلًا بهواية الرقص ولو كان رقصًا يدوسُ على مصالح الشعب وحقوقه المهدورة.
هـنـري زغـيـب