في أَول مرحلةٍ من التشريع بعد غيابٍ طويل، أَقــرَّ مجلس النواب تعديلات لجنة الإِدارة والعدل على قانون الإِيجارات الذي كان إِقرارُهُ تَـمَّ منذ سنة 2014 بعد سنواتٍ مطّاطة من المطالبات والاعتصامات والتظاهرات والمظاهرات.
لا أَدخلُ هنا في نقاشِ مَن أَفاد مِن هذا القانون ومَن تضرَّر، لكنّ الظاهرة حَيَال هذا القانون تستوقفُني بـما نَـجَـمَ عنها من إِنشاء صندوقٍ، ظاهِرُهُ: دعْمُ المستأْجرين، وجوهرُه: جَعْلُهُم شحَّادين على أَبواب هذا الصندوق. ذلك أَن المالك يُـخيِّـر المستأْجر بين نَارَيْن: أَن يزيد إِيجارَه تدريجًا طيلة 12 سنة حتى يـبلغ قيمة الإِيجار في حينه، أَو أَن يُـخْلي الـمأْجور فورًا ويلْجأَ إِلى “صندوق دعمِ ذوي الدخل المحدود” يقف على بابه مستجْديًا قيمةً لا تكفيه لاستـئْـجاره بيتًا آخر.
هذا من جهة المستأْجر. أَمّا من جهة المالك فصرّح رئيس نقابة المالكين أَن “التعديلات لا تُرضي طموحات المالكين بتحريرِ أَملاكهم فورًا، ولجنة الإِدارة والعدل توسّعت بالتعديلات لمصلحة المستأْجرين بينما المالكون القدامى ما زالوا مغبونين من حيث الإِيجارات التجارية ويطالبون مجلس النواب بدَرْسها فورا”ً.
هنا نحن إِذاً: لا المؤَجِّر راضٍ ولا المستأْجِر راضٍ. ولا يزال المسؤُولون تشريعيًّا وتنفيذيًّا وإجرائيًّا عاجزين عن حَلّ هذه المعضلة، بل يزيدون من تعقيدها عِوَض حلِّها. والدولة التي تطمح إِلى “محاربة الفساد واستعادة الثقة” بالدولة، عجِزَت حتى اليوم عن كَشّ معضلة اللاجئين والنازحين فَفَشَّتْ خُلْقها بكَشّ المستأْجرين من بيوتهم، ومعظَمُهم متعاقدون ومتقاعدون وعجزة وفقراء ومُعْوَزُون.
وبين الكَشّ والفَشّ: فَشّ الخُلق وكَشّ الحمام وكَشّ النَورَس وكَشّ المستأْجرين، يرتمي هؤُلاء في الشارع لأَن المالكين (وفي الدولة كثيرون منهم بين كبار السياسيين) يتناسَـون أَن عقاراتهم تزداد قيمةً مع الزمن، ومع ذلك يفرضُون اليوم على المستأْجرين التهجيرَ واللجوءَ إِلى خيامٍ ومخيَّمات، كأَنما لبنان – بعدما احتضن خيامًا للنازحين السوريين ومخيّماتٍ للّاجئين الفلسطينيين – يتحوّل تخييماتٍ مأْساويةً اجتماعيًّا للمستأْجرين اللبنانيين في وطنٍ يكاد يقتصرُ على كتلة محدودةٍ من سياسيين مرفَّهين راتعين في مناصبهم ومقاعدهم النيابية والوزارية و”التنفيعاتية” ويستجلبون محاسيبَ وأَزلامًا في حالةٍ “زبائنية” ترزح تحتها كتلةٌ كبيرةٌ خارجَ حلقات الاستزلام من مواطنين ليس مَن يَدْرَأُ عنهم كارثة الرمي في الشارع سـبَّبها لهم قانونُ إِيجارات جعلَهُم شحَّادِين يتوسّلون صندوقَ إِعاشةٍ هزيلًا، على بابه عبارةٌ لا تقرأُها العين بل يقرأُها القلب الجريح، والعبارةُ تصفعُهم: “كِشّ… مستأْجِر”.
هـنـري زغـيـب