“أَزرار” – الحلقة 967
ضَوْعُ الورد ؟ أَم كشْفُ الكنْـز؟
– النهار” – السبت 26 تشرين الثاني 2016″

عند صدور كتابي الجديد “داناي… مطرُ الحب” قبل أَيام (دار “سائر المشرق” ودار”درغام”) كتب إِليّ صديقٌ كاتب: “كيف تَتَجَرَّأ وتَبُوح بِـحُبكَ للناس؟ لا تنشُر سرَّكَ. حبُّكَ هو ثروتُكَ. إِحتفظْ به في خَـزْنَتِك ولا تكشِـفْه”.

وقرأْتُ قبل أَيّام في “لوريان لوجور” حديثًا لصلاح ستيتيّه يعلن فيه: “الكاتب الذي لا يُعلِن سرَّه يبقى أَدبُهُ غير مكتمِل”.

يأْخذُني هذان الرأْيان المتضادّان إِلى مسأَلةٍ حيويةٍ في الأَدب: عَــمَّ يكتب الأَديب أَو الشاعر؟ عـمَّـن؟ ولـمَن؟

أَن لا يكشِف الشاعر حُبَّه فباطلٌ كلُّ شِعر الغزل لأَنه يفضح سرّ قائله. وأَلّا يكتمل نَصُّ الكاتب إِلّا بِـإِعلان سِرّه فباطلٌ كلُّ ما لا يعلنُه من حميمِ حياته الخاصة.

إِلى أَيّ حـدٍّ يكون القارئُ شريكَ الكاتب فيقترب من حميمياته؟ وما الحدُّ الفاصل بين علَنيةِ الـمُـتاح وصولُه إِلى القراء، وخصوصيةِ ما به يحتفظ الكاتب؟

وأَكثر: ماذا يبقى من الأَدب، ومن الشِعر تحديدًا، إِذا أَلْغينا منه شِعر الحب والغزل؟ سيقتصر على شعر المديح والرثاء والوطنيات والوجدانيات الباردة والحِكَم البليدة، ومن النثر يـبقى الأَدب الروائي والقصصي والجمالي المجرَّد من كل أُوتوبيوغرافيا. فهل بهذا يَكتمل الأَدب؟

وهل رسائلُ الأُدباء الخاصة والحميمة، عند انكشافها أَو نشْرها، تؤْذيهم أَم تُضيْءُ عليهم؟

هل هذا يعني أَلَّا تكون انكشَفت رسائل جبران وماري هاسكل، وفيها وجهُه الحقيقيّ، وأَلَّا يكون كتَب “الأَجنحة المتكسرة” وفيها خصوصيةُ حُبّه حلا الضاهر مغلَّفةً بـ”سلمى كرامة”؟ وأَلَّا يكون الياس أَبو شبكة كتَب “غلواء” (قصته مع أُولغا رغم ادّعائه أَنها قصةٌ “من نسج الخيال” لإِرضاء حبيبته بعد أُولغا)، وأَلَّا يكون كتَب رائعته “إِلى الأَبد” (قصته مع حبيبته ليلى)؟

وهل نُلغي من أَدب ميخائيل نعيمه ثلاثية “سبعون” لأَن فيها سيرتَه الذاتية وخصوصياتِ حياته ولو انه لم يكشف حميمياتها؟

أَيُفترَض بالشاعر أَن يتخلّى عن نبضه الداخلي فلا يُعلِن حبَّه بل يحتفظ بـ”السِر” له ولحبيبته وحدهما؟ وهل نبضٌ أَصدقُ من شِعر الحب لقارئٍ متفاعل فيما كلُّ نبض آخر كتابةٌ رخاميةٌ لقارئٍ رخامي؟

الأَدبُ وجهان: أَدبٌ غَيريّ موضوعيّ يتناول السَرد والانفصال عن الذات وهو “الفَن للفَن”، وأَدبٌ شخصيٌّ حيٌّ ينقل “أَنا” الكاتب ودواخلَ الشاعر فيقترب منه القارئُ شريكًا ومُزَامِلَ مَشاعر.

أَما الحُب، وهو تاجُ الكتابات جميعًا، شِعرًا ونثرًا، فلا نُــقَــنِّـعَـنَّ جمالَه باستعاراتٍ مُباعِدة، كما لا نَكْشِفَنَّ حميمياتٍ فيه تبقى هي النُسْغ الذي يُطْلع الثمرة فيتلقّى القارئُ الثمرَ ولا دَخْل له في النُسْغ.

جمالُ شِعر الحُب أَن يَــبْـلُـغَـنـا منه عطْرُ الوردة من دون أَن يكشِف الشاعر مَن هي الوردةُ التي يَضُوع منها هذا العطْر.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib