في حوار “الفيغارو” مع كلود غُـوَاسْـغِـين، النائب الفرنسي وممثّـل الدائرة السادسة عشرة في باريس، ذكَـرَ أَنّ “الحقّ الشرعيّ بالجنسية الفرنسية يُعرّض البلاد، سنةً بعد سنةٍ، لآلافِ مَن يُمكن أَن نسمّيهم فرنسيين على الورق،” إِشارةً إِلى الـمُجَــنَّسين الذين يحملون الجنسية الفرنسية بدون أَيِّ انتماءٍ وطني إِلى فرنسا”. ولـم يُـخْفِ قلقَه من كون هذه الظاهرة تُشكّـل خطرًا على مستقبل الهوية الوطنية الأَصلية: “في مطالعتي خلال إِحدى جلسات مجلس النوّاب سنة 2011 نبّهتُ إِلى خطرٍ يتهدّد الهوية الفرنسية والانتماء إِلى الوطن، وكان ذلك قبل أَن بدأَت حوادث الإِرهاب الدولي تجعل بَـحث هذه الظاهرة مُلحَّـةً وداهمة”.
تلك الظاهرة تستدعي معالجة هذا الموضوع في كل بلد يَفتح المجال لتجنيس طالبيه فيحظَون بحمل جنسية البلد إِنما “على الورق” من دون أَيِّ شعورٍ داخليٍّ بالولاء لذاك البلد وبإِخلاصهم له شعبًا وأَرضًا وبولائهم له في جميع حالاته، بل يجعلون الجنسية مجرّد بطاقة هوية أَو جواز سفر يتيح العبور والاقتراع والتمتُّع بجميع امتيازات أَبناء البلد الأَصليين.
تصريح النائب الفرنسي، بِواقعه الصادم، تحذيرٌ لكل بلدٍ يحمل هُويتَه مُـجَـنَّـسُون لا يفخرون بِـهُويتِه ولا يشعرون بالانتماء إِليه. لذا تَعمَدُ الدول إِلى “تصعيب” التجنيس ووضْع قوانين صارمة له ذات مدةٍ استقصائية، طويلة غالبًا، ولا تعطي طالب التجنيس جنسيتَها إِلّا بعد التحقُّق من جذوره وسلوكه وماضيه في البلد الذي منه يأْتي إِلى هوية الدولة التي يطلب العيش في نعمتها.
إِنّ مجرّد حمل الجنسية في بطاقة هوية أَو في جواز سفر أَو في وثيقة رسمية، يظلُّ خارج الأَمان، ويبقى حاملُ الجنسية مجرد “مواطن على الورق” لا يُـخْلص للبلد الذي جنَّسه مثلما يُـخْلِصُ له أَبناؤُه الأَصليون الذين يَـهُـمُّـهُم وطنهم ويخافون عليه ويناضلون من أَجله ويغارون عليه ويحرصون على أَمنه وأَمانه وأَمانته لأَن دافعَهم انتماؤُهم الأَصيل إِلى جُذُورهم في الوطن وتاريخ آبائهم وأَجدادهم بُـناةِ بلَدهم جيلًا بعد جيل.
ومتى عدنا إِلى التاريخ، وأَعَدنا النظر إِلى غرَق روما بأَغرابها ذات فترة قاتمةٍ من تاريخها، ومتى استعَدنا قوانين بعض الدول التي تمتنع بكل حزم عن التجنيس إِلّا في حالاتٍ نادرة جدًّا واستثنائية جدًّا وفي مراسيم أَو قوانين خاصة، ومتى عاوَدنا الصرامة في شروط إِعطاء الجنسية إِلّا بعد ضنًى من التحقُّق والاستقصاء، نصِل إِلى محصّلة ثابتة: الدُوَل التي تتهاون في تجنيس الأَغراب، وغالبًا لأَغراض مشبوهة، تَحصُدُ “مواطنين على الورق” لا حسَّ لديهم بالانتماء الـمخْـلِـص.
أَمام هذه الحقيقة الـمُـثْـبـتـة تاريخيًّا، لا يعود أَيُّ فرقٍ، في أَي بلد، بين الأَغراب واللاجئين والنازحين والـمُجنَّسين.
وهنا الخطرُ القاتل: فقدانُ الولاء والوفاء والانتماء.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib