يكثر الجدل في هذه الأَيام حول تفسير “الميثاقية” انطلاقًا من ادّعائها تحصيلَ “الحقوق المهدورة” و”إِعادة الصلاحيات” إِلى رئاسة الجمهورية التي، أَيًّا كان المرشّح لها، يبدو أَن القوى على الأَرض تحبسه سلفًا في علبة “دليفري” موضَّبة وعليه أَن يفتحها في قصر بعبدا وينفّذ ما فيها من وجبات جاهزة.
هذا اللغط ليس “تحصيل حقوق مهدورة” بل تحصيل “حقوق مفروضة” سياسيًّا يشدُّ بحبْلها صوبَه كلُّ فريق سياسي من متراسه كي يؤمِّنها لفريقه وطائفته وأَحفاده الأَعزاء من بعده.
ومهما يَـطُـلْ سيناريو هذه “الـمُشادّة” سيتفق الأَطراف حولها خوف خسران مواقعهم، فيسمونها “تفاهمات” (لا “سلة”)، و”اتفاقات” (لا “مشادّات”) ويمسحونها بــ”مصلحة الوطن العليا” فيما هي صفقاتٌ تُرضي كل فريق من عشيرة علي بابا.
“الحقوق المهدورة” الحقيقية ليست من هذا المستوى الكاريكاتوري، بل هي في إِهمال أَهل الحكْم حقوقًا تراثيةً إِذا حافظَت عليها الدولة تحافظ على وجهها وإِرثها المادي والتاريخي.
قبل سنوات (18 حزيران 1994) احتفلَت الدولة الفرنسية، عبر سفارتها في لبنان، بإِزاحة الستارة عن لوحة رخامية تؤَرّخ لسكنى الجنرال ديغول في أَحد بيوت المصيطبة. ها هي فرنسا تحافظ على حقوق عظمائها ولو خارجَ أَراضيها. فهل دولةُ لبنان تحافظ على الحقوق المهدورة في لبنان لعظماء لبنان؟ وهل كنا شهدنا متاحف بعض كبارنا في بلداتهم لولا مبادرات فردية وعائلية أَثمرَت متحف جبران في بشري، وأَمين الريحاني في الفريكة، ومارون عبود في عين كفاع، والياس أَبو شبكة في زوق مكايل، وحسَن كامل الصبَّاح في النبطية، وميشال أَبو جودة في الزلقا، والبصابصة في راشانا، …؟
حين تجوّلتُ سنة 1984 في مانهاتن على أَماكن جبران النيويوركية، وزرتُ الشارع العاشر الغربي باحثًا عن المبنى رقم 51 الذي سكَنَ جبران عشرين سنة في طبقته الثالثة، ولم أَجِد المبنى لأَن بلدية نيويورك هدَمَتْه، تساءلتُ كيف لا تتنبَّه سفارتُنا في واشنطن إِلى هذا الأَمر ويندر مَن لا يعرف جبران من الأَميركيين. وحديقتُه العامة على جادّة ماساشوستس في واشنطن أَقامتها الدولة الأَميركية ودشَّنها رئيسُ الجمهورية جورج بوش بخطاب تاريخي صباح الجمعة 24 أَيار 1991، ترزح اليوم تحت الإِهمال واليباس ولا تبادر دولة لبنان إِلى دعم صيانتها كي لا تندثر نهائيًّا.
يتحدَّثون عن “الحقوق المهدورة”؟
فلْتبْقَ لهم حقوقُهم الطائفية والعشائرية والقبَلية يتقاسمونها على حساب الوطن والمواطنين، ولتبقَ لنا، بمعزل عن هذه الدولة، مبادراتٌ فردية وعائلية تحفظ حقوق عظماء من لبنان هم ذاكرةُ لبنان الحقيقية، غابوا غُرباء عن دولتهم لا عن وطنهم، وفضحوا الفارق المؤْلم بين عظَمة الوطن بخالديه الدائمين وهُزال دولته بأَركانها الزائلين.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib