ما كنتُ أَحسَبُ أَن تَصدُر الترجمةُ الإِنكليزيةُ لكتابي “جبران خليل جبران – شواهدُ الناس والأَمكنة” ويكونَ فيها جديدٌ عن الطبعة العربية، حتى وصلتْني قُبَيل الطبعة الإِنكليزية نسخة “مانيفست” الباخرة التي ترجَّل منها جبران وأُمه وأُخوه وشقيقتاه على مرفأ إِيليس آيلند في مانهاتن نيويورك، وفيها يتبين أَن الفتى جبران لم يدخل أَميركا باسم عائلته جبران بل عائلة رحمة.
وهنا التفاصيل أَنقلُها كما ظهرَت حرفيًّا في “المانيفست”.
* سفينة المهاجرين الهولندية على خط “سْــﭙــارْنْدَام”
* رقم الرحلة 273
* مرفأُ الإِقلاع: روتردام (هولندا – أَكبر مرفأ في أُوروبا) بعد وصولها من مرفأ بولونيا )شمالي فرنسا – 130 كلم عن باريس)
* مرفأ الوصول: نيويورك
* تاريخ الوصول: 17 حزيران 1895.
- رقم المسافر: 271. الاسم: بطرس رحمة. العمر: 20 سنة. الجنس: ذكَر. المهنة: تاجر. الوُجهة المقصودة: نيويورك.
- رقم المسافر: 272. الاسم: كامي (كذا). العمر: 40 سنة. الجنس: أُنثى. المهنة: -. الوُجهة المقصودة: نيويورك.
- رقم المسافر: 273: الاسم: جبران. العمر: 11 سنة. الجنس: ذكَر. المهنة: -. الوُجهة المقصودة: نيويورك.
- رقم المسافر: 274: الاسم: ماريانا. العمر: 9 سنوات. الجنس: أُنثى. المهنة: -. الوُجهة المقصودة: نيويورك.
- رقم المسافر: 275: الاسم: سلطانا (كذا). العمر: 7 سنوات. الجنس: أُنثى. المهنة: -. الوُجهة المقصودة: نيويورك.
وسبَقَ في اللائحة رقم المسافر 270 باسم جريس حنا (6 سنوات)، وتلا الرقم 276 باسم الياس ابرهيم (25 سنة – مزارع).
السيناريو الممكن أَن تلك الأُسرة وقفت بأَفرادها مجتمعين أَمام موظف الأَمن العام الذي قد يكون خاطب الأُم ولم تفهم لجهلها اللغة، فتوجَّه إِلى بكْر الأُسرة العشريني الراشد بطرس لعلّه يفهم أَو يُحسن التعبير. ولما كان بطرس من عائلة رحمة (كونه ابن كاملة من زواجها الأَول بابن عمّها حنا عبدالسلام رحمة) كان من الطبيعي تسجيلُه في خانة عائلة رحمة. وإِذ يكون الموظف سأَله عن السيّدة معه ومَن معها فيكون أَجابه أَنها أُمه ومعها أَخوه وأُختاه، لذا سجّل الجميع باسم عائلة “رحمة”، فيكون جبران دخل الولايات المتحدة باسم “جبران رحمة” لا “جبران جبران”، على غرابة الاسم الثلاثي (جبران خليل جبران) في التقليد الأميركي. وفي بوسطن سجّلتْه مسؤُولة مدرسة كوينسي باسم كَاليل جبران (لصعوبة لفظ الخاء في الإِنكليزية) ما اضطره إِلى اعتماد اسمه هكذا طيلة حياته الشخصية والأَدبية في أَميركا.
سجلتُ هذه الوقائع بدون تعليق، فأَرقامها ومعلوماتها تَشِي بالأَبلغ: أَن صاحبها، بعد 85 سنة على غيابه، ما زال يُشرق علينا بجديدٍ، كأَنما موتُه استمرارُ حياته القصيرة التي بها انطلق طويلًا إِلى الخلود مبدعًا عالميًّا من لبنان.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib