كنتُ، مطلعَ هذا الأُسبوع، حاضرًا تسليمَ وزير الثقافة المحامي ريمون عريجي جائزةَ الرواية التي تنظِّمها الوزارة. كان الاحتفال في قصر الأُونسكو، وكان الحضورُ ضئيلًا جدًّا والإِعلام غائبًا جدًّا، وكان الحاضر الأَبرز حجبُ اللجنة الجائزةَ عن فئة المكـرَّسين ومنحُها لفئة المبتدئين ما أَثار لغطًا وجدَلًا في صفوف روائيين تقدَّموا للجائزة، لكن اللجنة، وهي من خبراء متمرّسين، لم تجد في نتاجهم اكتمالَ معايـير الفوز بالجائزة.
هذا اللغط يضاف إِلى كلام كثير يصوِّبُ على الوزارة اتهامًا بالتقصير أَو لومًا على “غيابها عن شؤُون المثقفين”، حتى إِذا حاولَت ترسيخ حضورها بينهم ومعهم ومن أَجلهم، أَشاحوا عنها وواصلوا اللوم.
أَفهم أَن لن تُرضي الوزارة من يريدونها “جمعية مار منصور” للأَعمال الخيرية أَو مؤَسسة “كاريتاس” لتوزيع الإِعانات على المعوزين. وأَفهم أَنّ مَن لم ينل منها حصةً على كتابه أَو مشروعه ينقلب عليها وعلى وزيرها. غير أَن الوزارة ليست “مصنع ثقافة” ولا “منبع مبدعين” وليست طبعًا “سلطة وصاية” تُوجِّههم وتقودُهم. الوزارة واسطة لهم كي يَبلُغوا مرماهم أَو يحصلوا على ما يرتَجون من مصادر تسهِّلها لهم الوزارة العاجزة بـــ”ميكروميزانيتها” عن تلبية مطالب المثقفين وأُمنيات الوسط الثقافي.
من السهل التصويبُ على الوزير لــ”تقصيره”، لكن الوزارة ليست الوزير، فهو يجيئُها عابرًا من تياره السياسي ليمثّله في جلسات الحكومة وقراراتها السياسية، وليعرض على مجلس الوزراء مشاريعَ وزارته ويدافع عنها لتمريرها وتاليًا لتنفيذها. والوزارة عملٌ إِداري منتظم يقوده مدير عامٌّ خلّاق يستنبط ويتعاون ويراجع ويُهيِّئ ويقدّم الملفّات للمرجع السياسي (الوزير) كي يتمَّ التداوُل بها وتحقيقها. وإِذا نادرًا ما يكون الوزير من بيئة وزارته مهنيًّا، فخبرةُ المدير العام في شؤُون الوزارة، مِراسًا أَو أَكاديميًّا، رافعةٌ وُثقى لضمان مسيرتها ونجاحها التقْني واللوجستي.
وبالعودة إِلى وزارة الثقافة: لا يختصرها الوزير ولا يحدِّدها طاقَمها الإِداري. وزارةُ الثقافة هي واحةُ المثقفين جميعًا في قطاعات الثقافة الإِبداعية والاستهلاكية، وكلَّما التفُّوا حولها معاونين ناصحين كانت لهم مرآةً لنتاجهم، منبرًا لأَصواتهم، مسرحًا لأَعمالهم، فتكون واسطة التواصل بينهم وبين مصادر لا يستطيعون بإِمكاناتهم بلوغَها فتكون هي طريقهم إِلى الهدف. وبقدْرما يكون الوزير ضالعًا في الشأْن الثقافي ومتنوِّرًا وناشطًا وذا شبكةِ علاقاتٍ واسعة متمكِّـنة مـحلِّـيًّا ودوليًّا، يكون قادرًا على خدمة النتاج الخلّاق تُطلقه الوزارة من دون وصايةٍ عليه ولا احتضان.
أَما الذين لا يَـرَون في الوزارة إِلّا جِرابًا يغرفون منه تمويلًا لمشاريعهم وإِلّا صوَّبوا عليها أَلسنتَهم وأَقلامَهم، فهؤُلاء لن يروا في الوزارة خيرًا حتى لو كان على رأْسها… أَندريه مالرو.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib