“نقطة على الحرف” – الحلقة 1268
الليطاني أَكبر 80 مرة من نـهر السين
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحـد 7 آب 2016

سأَتحدَّث اليوم بالأَرقام. ومع أَنني ابنُ الكلمة، شِعرِيِّـها والـنـثـريّ، أُؤْمن بأَن الرَقم أَحيانًا كثيرةً أَبلغُ من الكلمة.

أَبدأُ من فرنسا، من تقريرٍ قرأْتُه قبل أَيام في الصفحة الاقتصادية لـجريدة “الفيغارو” ذكَرَ أَن “كُلفة تنظيف نهر السين، وطولُه 776 كلم، بلغَت تقديراتُها 9,5 مليون يورو، لتُنْجَزَ في ثلاثة أَشهر ويتأَمّنَ تنظيفُ النهر من رواسبَ في قعره تسبِّب حساسية مؤْذية للأَسماك والصيادين، فيعودَ النهر كعادته موئلًا رئيسًا لشبكة السياحة النهرية في فرنسا”.

بمنطق الأَرقام ذاته أَنتقل إِلى لبنان: في تقريرٍ رفعه وزير البيئة قبل أَيام، أَنّ كُلفة تنظيف نهر الليطاني، وطولُه 170 كلم، بلغَت تقديراتُها 880 مليون دولار، لإِنقاذه من 25 سنة مخالفات ونُـفايات مصانع ومداجن ومسالخ وصرف صحي ومبيدات ومرامل وكسارات، وبعضها مرخَّص إنما غير مراقَب، ولا يمكن البدء بهذه العملية التنظيفية إِلَّا بعد موافقة مجلس النواب”.

أَلجأُ هنا إِلى بلاغة الأَرقام من جديد:

  • طول نهر السين 776 كلم، طول نهر الليطاني 170 كلم. يعني أَن نهر الليطاني نحو رُبع طول السين (تحديدًا: 4،07).
  • كُلفة تنظيف السين 10 ملايين يورو، أَي نحو 11 مليون دولار أَميركي (تحديدًا: 11،08)، وكُلفة تنظيف الليطاني 880 مليون دولار.

يعني أَن كُلفة تنظيف الليطاني 80 مرة أَكثر من كُلفة تنظيف السين، مع أَنّ الليطاني أَصغر 4 مرات من السين. فكيف الأَصغرُ 4 مَـرّات يكلِّف 80 مرةً أَكثر؟

 هذا هو سر مغارة علي بابا اللبنانية، هذه الـمُجرمةِ التي تغطّي كل حساب، وتُـخفي كل احتساب، وتَحمي كل محسوبية، وتَمنع كل محاسبة، وتطمُس كل خطّةٍ حاسبة. والسبب معروف: مَن يحاسِب مَن؟ وهل الـمُحاسِب أَنظَف من الـمُحاسَـب؟

  هذه هي مغارة علي بابا التي تلبَس قناع الدولة، ووجهُها الحقيقيّ مزرعةُ صفقات، وعشيرةُ عُمولات، وقبيلةُ محسوبيات، لا أَملَ بِــتَــحَــوُّلِـها دولةً ما دامت صناديقُ الاقتراع بَــبَّــغائـيَّـةً استزلامـيَّـةً زبائـنـيَّـةً أَغنامـيَّـةً عَـوراء.

  جاءت فترةٌ كان فيها ابرهيم عبدالعال صاحبَ مشروعٍ لنهر الليطاني يُـؤَمِّن بمياهه ثُـلْث حاجة لبنان من الطاقة الكهربائية. يومها كان الليطاني يسمى “نهر الخير”. ويوم وفاة ابرهيم عبدالعال الغامضة سنة 1959 (عن 51 سنة) وقف الطوباويُّ الآخَـرُ موريس الجميِّل يودِّعه مؤَبِّنًا: “قال هيرودوت إِن مصر هبةُ النيل، وقال فقيدُنا اليوم ابرهيم عبد العال إِن الليطاني هبةُ لبنان، وأَنا أَقول إِن الليطاني هبةُ عبد العال وإِن عبد العال هبةُ لبنان“.

  معَهُ حق، موريس الجميل. لكنني أَغبطه لأَنه مات بعد ابرهيم عبدالعال فلم تصعَـقْـهُـما الأَرقام بأَنّ الأَصغر 4 مَـرّات يكلِّف في لبنان 80 مرةً أَكثر، وإِلَّا لَكان عبدالعال والجميّل مَاتَا ثانيةً من الحُزن والغَضَب على مَن يسُوسُون اليومَ شُـؤُون لبنان.

  هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib