“نقطة على الحرف” – الحلقة 1267
درّاجةُ الوزير وموكبُ السيارات بزجاجٍ داكن
الأَحد 31 تموز 2016

وردتْني أَمس إِلى بريدي الإِلكتروني صورةُ وزير المالية الأَلـماني وولفغانغ شُـوبْـلِه (74 عامًا) يقود درّاجة هوائية، وراءَه حقيبةٌ سوداء، وتحت الصورة تعليق: “وزير المالية الأَلماني يذهب إِلى عمله على دراجة، وبلادُه تُنتج 18 مليون سيارة مرسيدس في العام”.

أَيًّا يكن الظرف الذي، يوميًّا أَو عارضًا، حدا بالوزير إِلى استخدام الدرّاجة الهوائية عوَض السيارة، يبقى الأَهمّ أَن الوزير تصرّف على أَنه أَوَّلًا مواطنٌ أَلـمانـيّ، وتاليًا على أَن وظيفته “خادمُ الشعب برُتبة وزير”.

 صادف وصولُ هذه الصورة إِلى بريدي الإلكتروني أَمس، وُصولي بعد جلجلة انتقالي من الجامعة اللبنانية الأَميركية في بيروت إِلى بيتي في جونيه، وسْط غابة هائلة من السيارات المكتظّة المحشودة المحشورة على الطريق المزدحم في رحلةٍ بالسيارة أَقصرَ حتمًا من رحلةٍ بالطائرة بين بيروت والقاهرة أَو بين بيروت وأَثينا. ولكان مُـمكنًا قــبــولُ هذا العذاب اليومي لـــولا زعيقُ سيـــارات مزوَّدة بصفّـارات إِنذار – كما لدى سيارات الصليب الأَحمر أَو سيارات الإسعاف – راحت تزعق مسعورةً في الزحام وفيها أَزلامٌ مسعورون يَنْهرون السائقين بعبارات فَـجَّـة إِلى فتح الطريق أَمام سيارة سياسيٍّ راحت تتسلَّل زيكزاكيًّا بين السيارات المطروحة يمينًا ويسارًا كي تشُقَّ طريقها حتى مرَّت داكنةَ الزجاج تتقدَّمها وتَـتْـبَـعُـها سياراتُ الحماية وفيها مرافقون مسلَّحون مسعورون منشرحون لتَشتيت سيارات الناس على طرف الطريق كي يمـرَّ سيِّدُهم ويَسْـبَـطِـرَّ منشرحًا فلا يتضايق من زحمة السير.

تأَملتُ مليًّا صورةَ وزير المالية الأَلماني على الدرّاجة ورُحتُ أُفكِّر كم نحن لا نزال في بلد متخلِّفِ الاستزلامِ للزعماء والاستسلامِ لسياسيين ما زالوا مُـمتطين ظُهورَ أَزلامهم ومحاسيبهم وأَتباعهم الأَغنام، يَــرِثُون الزعامة عن آبائهم ويورِّثونها أَبناءَهم ليَمتطي أَبناؤُهم بدورهم ظهور أَزلامهم ومحاسيبهم وأَتباعهم الأَغنام.

أَقول هذا عن سلوكهم على الطرقات، ولا أَنسى أَن بيوتهم – يا وقاهم الله من كل شَرَ – مُزنَّرةٌ بالمكعَّبات الإسمنتية والحواجز العسكرية وتحويل الطريق عن بيوتهم كي يـأْمَن الزعيم – يا حماه الله – فلا يتعرَّض – لا سمح الله – لـمحاولةٍ مأْساوية، إِذ بهذه الإِجراءات الاحترازية وهذه الحماية اليومية ينجو سليمًا – بإِذْن الله – فلا يفقِد الوطن زعيمًا وطنيًا تاريخيًّا، ويبقى – بحراسة الله – مُـمتطيًا ظُهور أَزلامه إِلى ما شاء الله.

فيا الله… يا الله… في أَلمانيا سياسيٌّ خادمُ الشعب يذهب إِلى عمله لخدمة الشعب على دراجة كسائر الشعب، وفي لبنان سياسيٌّ يخدمه الشعب ويَحرسُهُ ويَحميه كي يتنقل سليمًا بسيارةٍ داكنةِ الزجاج في مواكبةٍ مشدَّدةٍ يقذف منها أَزلامُه جانبًا سيارات الشعب كي يمرَّ هو بأَمانٍ، ويظلَّ محميًّا – بإِذْن الله – فلا يفقِده الشعب ولا يفقِده الوطن.

هناك في أَلمانيا ديمقراطيةُ السياسيين، وهنا في لبنان دكتاتوريةُ السياسيين لكنَّها بكل وقاحةٍ تلبَس، زيفًا وتدجيلًا، قناعَ الديمقراطية الكـذّابة.                                                                                                                           هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib