إِنه موسمُ الامتحانات الرسمية في نهاية العام الدراسي. ومع تَوالي أَيام الامتحانات، تتوالى علينا أَخبارُ الغش الذي تـمّ اكتشافُهُ في أَكثر من حالة، وكان لوزير التربية إِجراءٌ حاسمٌ جازمٌ عند كل حالة على انفراد، وفْقَ طبيعة الحالة، على أَمل اتخاذ إِجراءٍ كاملٍ شاملٍ يكونُ حلًّا نـهائيًّا لوقْف الغش والتزوير في الامتحانات ترشيحًا وتقديمًا وتصحيحًا وتسريبَ أَسئلةٍ وإِعلانَ نتائـج.
يأْخذني هذا الأَمرُ إِلى حالاتٍ مماثلة حصلَت في بلدانٍ عدَّةٍ اتخذَت لردعها إِجراءاتٍ مختلفة.
ففي الصين عمَد المسؤُولون إِلى مراقَبَة الامتحانات من طيّارة صغيرة بدون طيار أَوقفَت عمليات الغش.
وفي اليابان اخترعوا جهازًا إِلكترونيًّا خاصًّا يبُثُّ موجاتٍ دقيقةً تحدِّد أَماكن الطلّاب الذين يستخدمون الهواتف المحمولة للغِش داخل قاعات الامتحان.
وفي الإِمارات العربية – وهي في المرتبة الأُولى عربيًّا في قائمة جودة النظام التعليمي – أَوجَدَ المسؤُولون نظامًا إِلِكترونيًّا ينقل الأَسئلة مباشرَةً من الوزارة إِلى مراكز الامتحانات.
وفي كوريا الجنوبية – وهي صاحبةُ أَفضل نظام تعليمي في العالم – عمَدَت الدولة إِلى إِخضاع المراقبين مسْبقًا لدوراتٍ تدريبيةٍ صارمةٍ تمكِّـنُـهم من رصد أَيّ محاولةٍ للغش مهما كانت ذكيةً تلك المحاولة.
وفي العراق قطعَت الدولةُ شبكة الإِنترنت كليًّا عن البلاد طيلة أَيام الامتحانات.
وفي دوَلٍ أُخرى تَـمَّ إِدخالُ الطلَّاب إِلى قاعة الامتحان قبل 45 دقيقة من موعد بدْء الامتحان، وأُرسِلَت الأَسئلةُ بالإِنترنت إِلى كـل مركزِ امتحان، ليقومَ مديرُ المركز بطباعة الأَسئلة وتوزيعِها على الطلَّاب.
لكنَّ أَطرفَ إِجراءٍ اعتمدتْـهُ الهنْد في امتحان القبول إِلى الخدمة العسكرية : كلَّفَت الجيش الهندي مراقبةَ الطلَّاب بعد إِرغامهم على خلْع ثيابهم والإِبقاء على ملابِسهم الداخلية فقط لتَفادي الغش وتسريب الأَوراق بينهم. ونجحَت هذه الطريقة فلَم تُسَجَّل حالةُ غِش واحدة.
عند قراءتي هذا الإِجراءَ الهنديَّ الطريفَ والناجع، مــرّ ببالي ما يَحدُثُ عندنا من أَعمالِ غشٍّ وفسادٍ ورَشوةٍ وصفقاتٍ وتبادُلِ اتـهاماتٍ وتَسريبِ ملفَّاتٍ يُـخفيها أَصحابُـها أَو يمرِّرونَـها خِلسةً ويُـهرّبونها خفْيةً في الجلسات والاجتماعات واللقاءات وعند اتخاذ القرارات، ولا يُـمكن ضبطُها في حالاتٍ عاديةٍ بدون مراقبة.
وأَظُنُّ أَنَّ أَفضل حَـلٍّ لضبْط هذا الغِش وتلك السمسرات والصفقات، أَنْ يأْتي المسؤُولون إِلى اجتماعات المجلس بثيابـهم الداخلية فقط، فلا يبقى لديـهم مجالٌ لأَيّ غِشٍّ أَو صفَقةٍ أَو تمريرِ ملفٍّ لأَن كلّ أَمر في الاجتماعات يصبح مكشوفًا فلا يَمُر إِلَّا الصحيح والجدير والأَصليّ، وتنجو البلادُ من عملياتٍ غالبًا ما يكون وراءَها بعضُ المسؤُولين أَو مَن يغطِّيـهم مسؤُولون بَــانُـونَ زعاماتِــهم على الغِش والتزوير، وعلى الصفَقات والصفاقات.
هـنـري زغـيـب