إِنه الـحُب!! هذه الأُعجوبةُ الأَقوى أَبدًا في الكَون والكِيان!
يولد فينا ويرُوحُ ينتظر الروح الأُخرى التي تستحقُّ الـحُـب أَو نحنُ نستحقُّها.
النحات الأُوكراني أَلكسندر ميلوڤ اختصَر هذه الأُعجوبة بـنُصُبه الحديدي “حُـبّ” لدى سمـﭙـوزيوم “الرجل المحترق” في “مدينة الصخرة السوداء” وسْط صحراء نيفادا.
والنُصُب: هيكلان حديديان مفْرغان لرجلٍ وامرأَةٍ جالسَين ظَهْرًا إِلى ظَهْر في وضعية حَــرَد أَو خِصام، وفي داخل كل هيكل حديديّ طفلٌ واقفٌ وجهًا إِلى وجه مع الطفل الآخر يصافحه في وضعية سلام. يضاء الطفلان ليلًا داخل القفصَين الحديديَّين للرجل والمرأَة فتبدو قضبانُ القفصَين قاتمةً في العتمة، ويبدو الطفلان منوَّرَيْن، رمز النقاء والبراءة.
إِنها الطبيعةُ الإِنسانيةُ مِن خارج ومِن داخل. وحين يكون الخارج في نفور وخصومة وتباعُد، يبقى الداخل تواقًا إِلى المصالحة والسلام و… الـحُب.
هو السؤَال الكبير يَطرحُه الفن الكبير في ذكاءٍ وإِبداع. وهو واقعُ الحياة في طبيعة النفْس البشرية والعلاقات الإِنسانية.
يأْخذُني هذا الأَمر إِلى الـحُب بين العاشقَيْن: يتزاعلان لسببٍ بسيط أَو غير بسيط، يتباعدان لفترةٍ تقصُر أَو تطول، ويحسبان أَن الـحُب انطفأَ فيهما ولن يعود. لكنّ في كليهما طفلًا بريئًا حقيقيًّا يظلّ تَــوّاقًا إِلى الآخَر، منجذبًا إِليه في لحظة الحقيقة التي لا تُـــرَدّ. هذان الطفلان في الطبيعة الداخلية هما اللذان يُعيدان الروح البيضاء إِلى الطبيعة الخارجية فيعود العاشقان إِلى المصالحة فاللقاء فالارتماء في شعلة الـحُب التي، إِن حقيقيةٌ هي، تتعدّى الأَنواء والعواصف وتبقى لا إِلى انطفاء.
وما أَقوله عن الأَفراد العاشقِين ينطبق على الشعوب والحُكّام والدُوَل. فالشعوب مهما تخاصمَت مع جيران لها أَو أَبعدِين، يظلُّ فيها طفلٌ تواقٌ إِلى المصالحة والسلام على مستوى القاعدة. والحُكّام مهما طغى فيهم الـنيرون المتجبّر يبقى فيهم طفلٌ ينحو إِلى الـمُسالَـمة لـمصلحة القاعدة، والدوَل التي تتمزّق حروبًا وخصومةً ونزاعاتٍ تبقى فيها الطبيعةُ الداخلية وازعًا لعودة المصالحة وعلاقةِ سلْمٍ طبيعية متينة تتجاوز آنيات المرحلة السوداء (فرنسا وأَلْـمانيا نموذجًا).
هذا الطفلُ النابض فينا، نـخاله ساكتًا أَو غافيًا أَو غافلًا. سوى أَنه، حين طبيعـتُـنا البشريةُ الخارجيةُ تَــتَــعــنَّت وتنفعل وترتجل مواقفَ سريعةً انفعالية، يصحو فينا ويَـمُدُّ أَمَانَه إِلينا، فَـنَـتَـنَـبَّــه ونرعوي ونؤُوب إِلى السلام الداخلي ينفُث بَيَاضه على دخان الانفعال فيعود البياضُ إِلى لحظة الحقيقة، ويكونُ الـحُب هو الخلاص.
بلى: إِنه الـحُب! هذه الأُعجوبةُ الأَقوى في الكَون والكِيان!
فلا كونَ خارج الـحُب الآسِر حتى الحرية، ولا كيانَ بدون الـحُب الذي يَـجعل الحياةَ كينونةَ سعادةٍ وفردوسَ هناء.
إِنه المخلّصُ الدائمُ الساكنُ فينا حارسًا لحظةَ الحقيقة.
هـنـري زغـيـب