“أَزرار” – الحلقة 944
رؤُوسُ الـتـنـانـين بـــين لبنان والصين
“النهار” – السبت 18 حزيران 2016

لا أَفهم، ومثلي كثيرون لا يفهمون، لماذا يتمُّ “ترحيل” مشكلة النُفايات من جلسةٍ حكومية إِلى ثانية إِلى ثالثة إِلى آخره،  ويُمسك اللبنانيون قلوبهم كل أُسبوع خوفًا من فتيل النُفايات أَن يفجّر الحكومة “المستَـفْجَرة” أَصلًا ولا يتوصل “عباقرة اللجان والحلول” إِلى حل نهائي بعد تلال النُفايات في الشوارع وتصاريح المسؤُولين عن “عمليات مشبوهة” و”صفقات معقودة” وجميعها بصيغة المجهول فلا يتجاسر أَحد على تسمية هذا الــ”راجح” الخفيّ الذي يتسبَّب بالمشكلة ولا يجرُؤُ أَحد على فضْحِه.

في دوَل العالم التي فيها حكومات ومسؤُولون يُـحوِّلون النفايات إِلى طاقة كهربائية أَو موارد أُخرى. وآخر ما وردَنا من “شقيقتنا” الصين أَنّ أَغنى امرأَة فيها، “تزانغ يـيـن”، حقَّقَت ثروتها الـملياريّة بِـجمْع نُـفاياتٍ من المكبّات وإِرسالها إِلى هونغ كونغ حيث أَنشأَت سنة 2006 مصنعًا صغيرًا لتدوير الورق بات اليوم من أَكبر مصانع التدوير في العالم بـــ11 ماكِنة عملاقة لتدوير الورق المجموع من النُفايات، يعمل فيه 5300 موظف وتبلغ عائِداتُه مليار دولار سنويًّا. ومن الورق والورق المقوى بدأَ بتصنيع الكرتون حتى اشتُهر مصنع “التنانين التسعة” (في الميثولوجيا الصينية: هم تسعةُ أَبناء تنِّين، ذَوُو تسع وظائف في العالم البشري) وبات رمز الصناعة الكبرى في الصين وعنوانًا أَوّلَ لازدهار النمُو الاقتصادي الصيني والصادرات الصينية إِلى كل العالم.

هكـذا إِذًا: من جمْع ورق النُفايات بَنَتْ “مَدَام يـين” (49 سنة) أَكبر مصنع في بلادها، وبنى سواها من جمع النفايات مصادر للطاقة، ودولتُنا لا تزال تتفرّج على مُشاجرات عقيمةٍ سخيفة بين الكنْس والفرز والجمْع والطمْر والمعالجة، ولا تزال تفكّر، ولا تزال تؤِلّف لِـجانًا “تدرُس”، ولا يزال ملفّ النُفايات منفيًّا من جلسة إِلى جلسة، ومن لجنة إِلى لجنة، ومن حل إِلى حل، والملفّ “ينطُّ” كطابة الفوتبول بين تصريحِ مسؤُولٍ، واتهامِ ثانٍ، واقتراحِ ثالثٍ، وصفقةِ رابعٍ، وتهديدِ خامسٍ، واستقالة سادسٍ، وفي اليوم السابع يستـريح الجميع ليَعودوا من جديدٍ إِلى دَوّامةِ مَهزلةٍ مُقْرفةٍ بِــسبَــبِها سيهجُّ الشعب اللبناني من وطنه قبل أَن يهجَّ من بيوته مستبِقًا رائحة القمامة المرشَّحة أَن تَـملأَ الشوارع من جديد.

منطقُ الدولة أَن تجبي الضرائب من مواطنيها كي تحسِّـن اقتصادَهم ومعيشتَهم، وكي تَـحميهم من غَدر التنين.

وإِذا في الصين تسعةُ تنانين تبني اقتصاد الدولة، فـعندنا كلُّ تنين ذو تسعة رؤُوس يمتص اقتصادَ الدولة وصبرَ الشعب وكرامتَه.

فيا ليت الصين ترسل إِلينا تنينًا واحدًا من التسعة، لا لكي يُـنقذَ اقتصادَنا بل لكي يَصرعَ رؤُوس كلّ تـنّين مجرمٍ عندنا، ونحن عندئذٍ نتكفَّل بإِعادة اقتصاد لبنان.

                                                                                                هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib