نقطة على الحرف – الحلقة 1260
“سَدّ جَــنَّــة”؟؟ قلوبٌ ملآنةٌ حقدًا وسُدودٌ ملآنةٌ فسادًا
الأَحد 12 حزيران 2016

          في مفهوم “الجنَّة” أَنها واحةُ السعادة والفرح يتوقُ إِليها كلُّ إِنسانٍ في كلِّ وطن. غير أَنها للإِنسان في لبنان بُــؤْرةُ تعاسةٍ ونكَد.

          وفي مفهوم السُدُود أَنها مصدَرُ مياهٍ في مواسم الشحائِح، غير أَنها في لبنان مصدرُ تَسَابُـق على مواسم الشرائح.

          والشرائحُ هنا تشريحٌ يمارسه أَهلُ السلطة في جسم الوطن طمعًا بالاستــئْــثــار السياسي مغلَّـفًا بشرائح على مشرحة البيئة.

          هوذا حالنا مع “سَد جنَّة” السعيد الذِكْر والتعيس الذِكْر معًا.

          فهو سعيدُ الذِكْر لأَنه نافعٌ وضروريٌّ ومُـلِـحٌّ كَكُلّ سَــدٍّ في كلّ وطن ليكون خزانًا جاهزًا عند انقطاع المطر.

          وهو تعيسُ الذِكْر لأَنه واقع في حلَبة ديــوك يتناهشون حتى لم نَعُد نفهم مَن يَنهش مَن، ولِــمَن ستكون الغلَبة.

          فريقٌ يقول بأَن “سَد جنَّة” قانوني يتمتّع بكامل مواصفات السُدود في منطقةٍ صالحةٍ لبنائِـه بدون أَيّ خطر.

          وفريقٌ يقول بأَن بِـناءَه في هذه المنطقة بالذات خطرٌ من انهياره وجرْفِه قرى ومدُنًا، وتسبـيــبِهِ كوارثَ طبيعيةً مرعبة.

          انتظرْنا آراءَ الخبراء فإِذا تقاريرُهم “وُجْهة نظَر”، لِـما وراءَ كلّ تقرير من شبَحِ سياسيٍّ يُريد ما يُريد، ولا يَـقبَل إِلا بما يُريد، ويَتَعَنَّت بما يريد، ويتصلَّب بما يريد، ويفْرِض على الآخرين ما يُريد.

          انتظرْنا القرار في مجلس الوزراء فإِذا القرار يَطير من جَلسةٍ إِلى جَلسة ومن سَدٍّ إِلى سَدّ ومن تأْجيلٍ إِلى تأْجيل ريثَما ولعلّ ولَرُبَّما.

          في هذه الأَثناء تذهب مياهُنا سُدًى إِلى البحر، وتتهدَّد بالعطش بيروتُ وسائِــر المناطق، فلا يبقى من ينابيع مياهنا شِبرٌ واحد في سَدّ واحد في مكانٍ واحد، ولا يبقى للمواطن اللبناني إِلّا الاتكالُ على الإِله الواحد لشراء صهريجٍ واحد كلَّ أُسبوع واحد.

          ضَياعٌ جِدِّيٌّ جَـماعيٌّ في صفوف المواطنين، ونِـزاعٌ كيديٌّ فرديٌّ في صفوف السياسيين.

          وبين الضَياع والنِزاع، يضيع الوطن، ويزداد الغضب، ويتزايد الصلَف الأَناني لدى مَن هُم مستعدُّون أَن يَسُدُّوا بالسَدِّ العالي طريق بعبدا إِن لم يكن مَن سَــيَــسْلُـكُها نازلًا على اللبنانيين: تعيينًا لا اقتراعًا، ومفروضًا لا منتخَبًا، وكلُّ ذلك بِاسْم نظامٍ ﭘــرلُماني ديمقراطي هربَت قوانينُه قرفًا من حلَبة المصارعين الرومان.

          وبين الفرَح بالجنَّة خارجَ الوطن، وجهنّم الجنَّة في رحاب الوطن، يظلُّ تجاذُب السياسيين طاغيًا على كل أَمر في الوطن، يسُدُّ كل فُـتحةٍ من أَمل، ويتواصل صراعًا بـنفوذٍ ومآربَ ومكاسبَ سياسيةٍ على حساب الوطن والمواطن، في مسيرةٍ ملآنة بقلوب ملآنة سدودًا ملآنة فسادًا وشخصانيةً ونَــوايا عميلةً مستعدَّةً، لبُلوغ غايتها، أَن تُحرق روما وأَن تتفرَّجَ على حريقِها من شرفة حاقدةٍ على واجهتِها عبارةُ شمشون: “عليَّ… وعلى أَعدائي”، وحَـــدَّها عبارةُ لويس الخامس عشر: “من بعدِيَ الطُوفان”.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib