“… في الكون قوةٌ عظمى لم يـجِد لها العلْم تفسيرًا منطقيًّا بعدُ، هي أَقوى من أَيّ ظاهرةٍ تَـــمَّ تفسيرُها. هذه القوةُ الكونيةُ هي الحُب. حين يـبحث العلماء عن نظرية موحَّدة لتفسير الكون، لا ينتبـهون إِلى هذه القوة العظيمة غير المنظورة. الحُب نورٌ لـمَن يَتلقَّونه ومَن يُعطونه، جاذبٌ يشدُّهم بعضًا إِلى بعض، يُلغي فيـهم الـ”أَنا” ويُظْهر الـ”سوى”. من أَجله نأْتي إِلى الحياة وعلى صداه نذهب إِلى الموت. الحُب هو الله، والله هو الحُب. إِنه معنى الحياة ومعنى كلّ ما في الحياة (…)”.
هذا الكلامُ ليس لشاعرٍ عاشقٍ ولا لأَديبٍ رومنسي. إِنه لأَحد أَكثر العلماء منطقيةً وﭘـراغماتيَّةً في القرن العشرين: صاحب نظرية “النسبية” أَلبرت آينشتاين، في مقطعٍ من رسالةٍ كتَبَـها لابنته ليزِرْل، جاء فيـها: “… ولكي أَشرح لكِ قوة الحُب بمنطق نظرية “النسبية” أَقول لكِ إِن المعادلة الوحيدة التي تَشفي العالم هي: الحُب مضروبًا بسرعة الضوء المربَّعة، فتكون النتيجة أَنّ أَقوى قوةٍ عُظمى لا حدود لها في الكون، هي قوةُ الحُب”.
هذا الكلامُ في الحُب، آتيًا من عالِـمٍ صارمٍ في منطق العُلوم، لعلّه أَقوى إِقناعًا منه في قصيدة حُب ذاتِ وجدانية رهيفة أَو في نَــثِــيرة غَزَلٍ ذاتِ عاطفة محمومة. وهو يشير إِلى أَن الحُب هو الفائقُ كلَّ قوة. ومشلولٌ كلُّ نبضٍ في الحياة لا يَسري في دمه نُسغ الحُب. الحُب الذي يغيّر ما لا يتغيَّر. الحُب الذي يخُضُّ كلَّ ما كُــنــتَــه، ويُزلزلُ كلَّ ما تكونُــه. الحُب الذي يَـهزُّ أَعماقك فأَنت سيّدُه وعبدُهُ في آن. يولد فيك وأَنت مولودُ الموت فتكون ولادتُك الأُخرى التي لا إِلى مَوَات. يـبـتـعـد عنك فأَنت يتيمٌ مع وقْف التنفيذ. ينسحبُ منك فأَنت جمادٌ لأَن الحُب وحدَه هو الرُوح. تكتب ولستَ عاشقًا حتى الولَه فكلماتُك صمتٌ أَعمى. تكتُب وأَنتَ عاشقٌ فكلماتُك نورٌ باهر ولو في حضن الشمس.
“الحُب نورٌ لـمَن يتلقّونه ومَن يعطونه”، يقول آينشتاين؟ صحيح جدًّا وكثيرًا. “لا يَـمتلِكُ ويَرفض أَن يُـمْتَلَك”، يقول جبران؟ أَيضًا صحيحٌ حتى قلْب الحقيقة. ولذا أَجزم أَن الفصل الأَول من كتاب “النبي” ليس “المحبة” بل “الحُب” الذي قارَبَ جبران سرَّه الكبير. المحبةُ غَيريةٌ رَخْوة. الحُب أَنانـيٌّ صَلْب. الحُب هو القوّة اللا تفسير لها ولَن يكون. هو المدخل وهو الطريق وهو القيامة. هو سرُّ الأَسرار ولذلك هو الله.
قد يَكتب العلماء الــﭙــراغماتيون بعدُ عن الحُب، وسيكتب الشعراءُ قصائدَ الوَلَع الأَروع، ويَـبـقـى الحُب محورَ الكون من الذَرّة الأُولى في أَوّل العمر إِلى الشهقة الأَخيرة في رَمَق الزمن.