تَـبدأُ اليوم الدورة الثانية من آحادِ الانتخابات البلدية وسْط ازدحام شعاراتٍ في معظمها فُقَاعاتٌ طنّانة رنّانة ليست سوى رغْـوِ صابون أَو زبدٍ عابرٍ سرعان ما يزول مساء اليوم.
تطالعني يوميًّا هذه الشعاراتُ البهرجية الفارغة وأَنا أَجول في منطقةٍ أَو أَنتقل إِلى أُخرى. ومعظمُها شعاراتٌ كيديةٌ استفزازيّة إِلغائيةٌ قائمةٌ على مهاجمة المجلس البلدي الحالي ونَـبْـش مثالبه وأَخطائِه وتقصيرِه، وتَــعِــدُ بالـمَـنّ والسلوى إِذا وصلَت اللائحة إِلى الفوز بثقة “الـمُواطنين الأَحــبَّــاء”.
فكيف يُـمكن الركونُ إِلى شعاراتٍ غَوغائية شَـعبـويَّـة تُـحطِّم الـمشاريع الإِنـمائية القائمة أَو الـمُنجَـزة؟ كيف يُـمكن تصديقُ لائحةٍ مرشَّحةٍ تتهكَّم على الولاية البلدية المنتهية وتُـخدِّر الناخبين بــوُعود يَـعرفون سلفًا أَنها طُـبولٌ جوفاءُ بلا صدْقية ولا جدوى؟
هل جميعُها أَعدَّتْ برامج قابلة التحقيق؟ وما مضمونُ برامجها الموعودة ؟ الكهرباء 24 ساعة؟ الـمياه 24 ساعة؟ فرْز النُفايات من الـمصدر؟ شو يعني؟ تَـعِـدُنا بــإِعادة ما هو لنا أَصلًا ومن حقِّنا أَصلاً؟ وهل هذه من صلاحيات المجلس البلدي؟ وهؤُلاء الطارحُون حالهم بديلًا عن الحاليين، هل يعرفون صلاحيات المجلس البلدي؟ هل قرأُوا قانون البلديات؟ هل يدركون حدودَ سلطة الوصاية؟ هل يُـميِّــزون بين صلاحيات المختار وعمله الفردي مع المواطنين، وصلاحيات رئيس البلدية وعملِه الـجَـماعي مع مَن في النطاق البلدي؟ هل يعرفون حدود الحقوق والواجبات في النطاق البلدي؟ هل يعرفون شو يعني النطاق البلدي؟ ما الذي عندَهم غيرُ التهَكُم الرخيص السخيف على زملائهم في الـمَجالس الحالية؟
ثم… ما هي شخصيةُ المرشَّحين وهَــيْــبَــتُــهم؟ أَين شخصُهم وحضورُهم ووزنُهم حين البعضُ منهم دُمى ساذجةٌ تُـحَرِّكها – وأَمام الستارة لا خلفها – أَصابعُ سياسيين هُم يُشكِّلون “الليستة” لأَغراضهم الانتخابية لا العمرانية ولا الإِنمائية، وهم يفرضون مرشَّحيهم وهم يُعلنُونهم وهم يُـحَركونهم على أَنهم أَزلامُهم ومحاسيبـُهم والخاضعون لتياراتهم وأَحزابهم وتكتُّلاتِهم السياسية وكتلِهم النيابية وزعاماتهم الشعبية؟ أَيُّ احترام بعدُ للشعب حين يشكِّل له الزعيم السياسي لائحتَه البلدية ويفْرض على الناس أَن يقترعوا لها كاملةً بدون تشطيب لأَنها الحاملةُ الخيرَ للمواطنين والخبزَ للجائعين والرفاه للناخبين والـمجد للعالَـمين؟
ما الذي يعتقدُه السياسيون حين يُعلنون وزنَهم السياسيّ السافــر في لائحتهم البلدية؟ هل الناس في نظرهم أَغنامٌ إِلى هذا الحد؟ قطعانٌ إِلى هذا الحد؟ أَغبياءُ إِلى هذا الحد؟ عُميانٌ إِلى هذا الحد؟ مصفِّقون بَــبَّــغاويُّــون إِلى هذا الحد؟
نـتـجوَّل في مناطقنا هذه الأَيام فلا نرى إِلّا صُـوَرًا وكتاباتٍ وشعاراتٍ وبرامجَ وطروحاتٍ تهدُم الموجود، تتهكَّم على الحاضر، تَــتَّهم الحالـيّ، وتَـــعِــدُ بــ”الأَفضل” إِذا منحَها ثقتَه الشعب. لكنَّ الشعب ليس كلُّه، كما يظن السياسيون، قطيعًا يُساق إِلى المسلخ بمشيئة القائد، ولا دُمًى بين أَيدي الوزراء والنواب، ولا حُــبُــوبًا في مسبحة الــزُعماء، ولا حطبًا في موقدة الأَسياد.
فـلْـيـعِ شعـبُـنا أَن مصيرَه في يدِهِ وحده، ولــيَــنْــزعْـهُ من دِكتاتوريّة السياسيين، وليُحْكِم يَـدَه مطْـلَقَةً من كل قيد مفروض، ولْــيُحَكِّم قرارَه بِـما يُـفيدُ مصيرَه، ولْــيَــفْــهَــمْ أَنّ انتقامَه الوحيدَ اليوم من الطبقة الحاكمة، هو قرارُه الصارمُ الحاسمُ الحازمُ لـحظةَ يَضَع الـمُـغَــلَّفَ الـمقفَلَ الصغير في صندوقة الاقتـراع لوَطنه الكبير.
هـنـري زغـيـب