تَـخَـوُّف… تَــرَدُّد… تراجُع… تباعُد… توقُّـع… ولا ينتهي التعداد.
آخذُ نهارًا واحدًا أَقرأُ فيه عناوين الصحف: “مخصَّصات سرّية أَم تناتُش في الفراغ؟”، “تخوُّف من الخطة ب على الأَمن والسلام”، “لبنان على اللائحة السوداء لِـلَجنة الضريبة”، “الحكومة عالقة عند أَمن الدولة”، “وزير سيادي يُبلغ مقرّبين منه: أَشُكُّ أَن تجري الانتخابات البلدية في موعدها”، “التباعُد بين مرجع حكومي ووزير، يصُبّ لمصلحة خصمٍ سياسي”، “مسؤُول أَمني رفيع يرجّح تأْجيل إِجراء الانتخابات البلدية”، ” هل تكون الانتخاباتُ البلدية ضحية التصعيد السياسي؟”،”ولْعِت بين وزير ووزير”، “أَوراق ﭘــاناما هل تُلغي السرية المصرفيّة في لبنان؟”، “النُفايات غطّت النبطية”، “يا شعب لبنان أَنت تصنع أَسوأَ السياسيين في العالم”، …
هذه بضعةُ عناوين الصحف لنهار واحد فقط، تطالع اللبنانيين صباحًا قبل أَن يذهبوا إِلى أَعمالهم في جوّ موبوء بنُفايات السياسيين وأَخبار فسَادهم وتَنَصُّلهم من التُهم ورمْيها على خصومهم، وتصاريحهم المتاريسية واحدهم ضد الآخر، وفضائح أَزلامهم ومحاسيبهم.
إِلى أَين يذهب هذا الوطن بشعبه؟ إِلى أَين تذهب هذه الدولة بمواطنيها؟
بِـمَ نُقنِع العالم أَننا نستاهل الاستقلال والنظام الديمقراطي حين نُوابُنا عاجزون عن انتخاب رئيسٍ للبلاد، ويعاندون ويقاطعون ويَكيدون ويستقطعون الوقت في انتظار “كبسة الريموت كونترول” من الخارج كي يَهرعوا صاغرين مطأْطإِي الرؤُوس واحدهم وراء الآخر ويضعوا في الصندوقة اسم الذي أَمَرهم بانتخابه الخارج؟
بِــمَ نُقنِع العالم أَنّ دولتنا تتطوّر، حين بين أَركانها عُملاء صفقات ومحاصصات وسمسرات وعُمولات وعَمليات وعَمالات؟
بِــمَ نُقنِع العالم أَننا لسنا مقتنعين بـهكذا قادة سياسيين يتسلّون في مخاطبة واحدهم الآخر بــ”التويْــتِـر” فــ”يُــغــرِّدون” و”يَــتَــوَيْــتَــرُون” ويَــتَوتَّـرون ويُــوتِّــرون ويَــتَــواتَــرون في توتير الجو العام مَوتُــورين حاقِــدين؟
بِــمَ نُقنِع العالم أَنّ لدينا دولةً تحمي المواطنين، حين تطالعهم كلّ يوم فضيحةٌ من هنا وصفقةٌ من هناك وتغطيةٌ من هنالك على مخالفةٍ وراءَها مِن يغطي مرتكبيها؟
بِــمَ نُقنِع العالم أَنّ لدينا انتخابات “بلدية” حين كلُّ مرشح “بلدي” مربوط بزعيم سياسي هو الذي يقود حملته بأَزلامٍ ومحاسيب فيقترع الناخب “البلدي” للزعيم السياسي عبر مرشحه البلدي ولا ينتخب من يأْمل أَن يعمل للانماء البلدي وتنمية السلطة المحلية؟
بِــمَ نُقنِع العالم أَنّ للشعب حريةَ القرار والخيار حين معظمُ الشعب منقادٌ كلٌّ إِلى زعيمه السياسي انقيادَ الخِرفان إِلى المسلخ مهلِّلين لزعيمهم بهلوانيًا بَــبَّــغائيًّا غَـبائيًّا ويستهينون بدمهم ودم أَولادهم فداءً لـزعيمهم؟
عناوين الصحُف لنهارٍ واحد كافيةٌ للدلالة على بلدٍ يتراجَع، يتقوقَـع، يتَـباعَد، يتفَكَّك، على وشَك الانهيار، وليس فيه مَن يَعمل على إِنقاذ بقائه قبل أَن يصبح نسخةً شرقيةً من حكايات انهيار الأَندلس.
____________________
* “النهار” – السبت 23 نيسان 2016