نقطة على الحرف- الحلقة 1253
الـمُضْحك الـمُخزي
الأَحد 24 نيسان 2016

يـحدث أَحيانًا أَن يُعيد تلــﭭــزيون لبنان – وخـيرًا يفعل – حلقاتٍ قديمةً من أَرشيـﭭــه الفريد الغنيّ، بينها مسلسلاتٌ كاملةٌ وحلقاتٌ منفصلة، أَتوقّف هنا عند الكوميديَّةِ منـها في الستينات والسبعينات، لأَستعيدَ في نُصوص محمد شامل وفارس يواكيم وسواهُما من كتَّاب تلك الفترة ساعاتٍ ممتعةً بأَداء شوشو والياس رزق وفريال كريم وسائرِ ممثلين كانوا بهجة سهراتِنا مرحًا ونِكاتٍ وحركاتٍ  ولـُمَعًا وحواراتٍ هي بين الهزل والـﭭــودڤـيـل، تثير فينا بسمةً أَو ضحكةً أَو متعة بصريةً سريعة.

وأَنتقل إِلى ما نشاهده اليوم في محطاتنا التلـﭭـزيونية، وما أَكثرها، تعرض حلقاتٍ تقترحُها كوميديةً فيما هي ساذجةٌ وقحةٌ تافهةٌ مقرفةٌ ممجوجةٌ ثقيلةٌ على السمع والبصر، تعتمد للإِضحاك قفشاتٍ جنسيةً عاهرةً رخيصةً مباشرةً فظَّةً، ظَــنًّا منها أَنها تفرح المشاهدين وتستقطبهم وتاليًا تستقطب إِليها المعلنين.

كأَنما لم يعُد لدى كتَّاب ومُعدّي وممثلي تلك الحلقات السمجة يقدّمونه إِلا الغمزات الجنسية والتلميحات الجنسية والكلمات الجنسية والحركات الجنسية لـمِثْليين ومفقوعين جنسيًّا، وكأَنما باتت الكوميديا مقصورةً فقط على هذا النوع من الأَداء الرخيص والحوار المبتذَل والتمثيل المقرف وهو أَحطُّ أَنواع التمثيل والحوار والـمَـشاهد.

لا أُريد هنا أَن أَكون مبشِّـرًا طوباويًّا ولا واعظًا أَخلاقيًّا، لكنني أَنقل اشمئزازَ مشاهدين لائِقين يأْنفون من مشاهدة هذه الحلقات السُوقية العاهرة التي تجرح الذَوق العام والأَخلاق العامة بتعابير يأْنف الناس من استخدامها حتى في مجالسهم الخاصة.

أَلم يَعُد لإضحاك الناس وتسليتهم غيرُ التعابير الجنسية والحركات الجنسية والإِيحاءات الجنسية المباشِرة وغير المباشِرة؟ ؟

كثيرًا ضحِكْنا وتمتَّعنا في مسرح الأَخوين رحباني ومسرح شوشو ومسرح نبيه أَبو الحسن وسواهم ولم يخدُش حوارٌ كرامتَنا وشعورَنا ومزاجَنا بتوافه التعابير وقَرَف العبارات.

أَلـم يَعُد في برامج التلـﭭـزيون ومسرحيات الشانسونييه إِلّا التعابير الجنسية ولطشات السياسيين وهي أَسهل ما يثير ضحِكَ الناس الآني العابر؟

وهل استجداءُ الإِعلانات لهذه البرامج يَجعل المسؤُولين في المحطات التلـﭭـزيونية يرضون بهذا الانحطاط الـمُقرف لهثًا وراءَ أَموال المعلنين؟

نَفهم أَن يكون الكاريكاتور السياسي أَو الاجتماعي أَحد عناصر العمل المسرحي أَو التلـﭭـزيوني، لكننا نفهم أَيضًا أَنّ الإِضحاك الراقي يتطلَّب جُهدًا من الكاتب والممثّل لم يَعُد موجودًا في رخْص هذا الابتذال الذي يُضحك اليوم الناس بدون مجهود كتابي أَو تمثيلي.

إِن هذا الانحطاط الأَخلاقي الذي بلغْناه في لبنان، وهو يُرافق الانحطاط السياسي والاجتماعي، يُنذر بأَننا على شفير هاوية خطيرة جدًّا لن ينقذَنا منها إِلّا كلمةُ حزْم وحسْم من مسؤُول كبير يعرف أَنْ حين تنهدم الأَخلاق في الوطن تَــهدُم معها كلَّ ما في الوطن من قيَم يختزنها طيلةَ عمره الإِنسان الراقي.