نقطة على الحرف- الحلقة 1252
حـــــــــــــوارٌ… ولا مُـواطنون
الأَحد 17 نيسان 2016

        تابعتُ مساءَ الخميس أَمسِ الأَول على القناة الفرنسية الثانية (France 2) أَولَ حلقةٍ من البرنامج الجديد “حوار المواطنين” (Dialogues Citoyens) منقُولةً من “متحف الإِنسان” داخل قصر شايُّــو (Chaillot) في ﭘـاريس، وكان ضيفَها الرئيسُ الفرنسي فرنسوَا هولاند.

                لا أَدخُل في مضمون الحوار وما كانت تردُّداته الـمتفاوتة بحقّ الرئيس الفرنسي، بل أَتوقّف عند الظاهرة التي جعلَت رئيسَ فرنسا يواجه أَربعةَ مواطنين حملوا إِليه أَسئلتهم وآراءهم واعتراضاتهم على سياسته الداخلية والخارجية، في جرأَةٍ وصراحةٍ واجهَهُما الرئيس ببعض تردُّدٍ أَحيانًا، وبـدفاعٍ عن إِنجازات ولايته عشيةَ اقترابه من نهايتها بعد أَقلَّ من عام.

                لفَتَ في الحلقة الشاب مروان بلْقايد  (22 سنة، طالب من كلية التجارة في مرسيليا) راح يناقش هولاند في وُعودٍ لم ينفِّذها مفنِّدًا إِياها مفصَّلةً، مخاطبًا إِياه في مستويَـين: “أَنتَ المرشح سنة 2012 قلتَ كذا، وأَنتَ الرئيس اليوم لم تنفِّذ ما قلتَه”، وخلُصَ إِلى قوله: “أَنا انتخبتُكَ سنة 2012 لكنني اليوم نادمٌ ومصابٌ بالخيبة من أَدائك الرئاسي”.

                هكذا واجه الرئيسُ هولاند طيلةَ ساعة و50 دقيقة أَسئلة حرجة تَمَحْوَر معظمُها على محاسبته رئيسًا وَعَدَ ولم يَــفِ، عدا 80 أَلف تغريدة “تويتر” أَعلنها مقدِّم البرنامج انهالت على الستوديو تحاسِب الرئيس.

                الشاهدُ من كلّ هذا الخبر: حوارُ المواطنين مع رئيس الجمهورية في محاسبةٍ جريئةٍ صريحة، إصغاءُ الرئيس إِلى الأَسئلة ثم إِجاباتُه، وإِصغاءُ السائلين إِلى الرئيس في إِجاباته بكل احترامٍ ولو بغير كثير اقتناع.

                في فرنسا حوارُ محاسبة الرئيس، وفي لبنان ليس مَن يحاسب – في حوار علني – مسؤُولًا واحدًا مهما صغُرَت مسؤوليَّتُه، ولدينا، قال، “طاولة حوار” لا نَسمع فيـها حوارًا واحدًا عن أُمور تَـهُمُّ المواطنين، بل حوارًا بين مَن انتدبـهم الشعب مرةً فأَطاحوا ثقته كلّ مرَّة، وجدَّدوا لولايتهم مرَّتين، واعدين بقانون انتخابٍ وإِصلاحاتٍ لا هي تمَّت ولا يبدو عليـهم عملُهم لإِصلاحها، ويجتمعون حول “الطاولة” متاريسَ كما في أَيام الحرب، يتداوَلون، يتناقشون، يتصايحون، في أُمور شخصية أَو طائفية أَو حزبية، ثم يُعلنون التأْجيل إِلى جلسةٍ تالية لن تكون إِلا صورةً عن سابقاتـها، فلا محاسبةَ من الشعب، ولا من يأْخُذ رأْي الشعب، ومع ذلك يتنطَّحون مُدَّعين التكلُّمَ باسْم الشعب وهم لا يتكلَّمون إلا في مصالح لهم لا منفعة للشعب فيها.

                في فرنسا “حوار المواطنين” يواجه فيه أَسئلتَهم رئيسُ البلاد، وفي لبنان “حوار بعيدٌ عن المواطنين” ليس فيه مواطنٌ واحد لأَن المسؤُولين اعتادوا التكلُّمَ بالنيابة عن المواطنين في أُمورٍ لا تعني المواطنين لأَن المواطنين لديهم أَتباعٌ بَــبَّـغاويون وأَزلامٌ أَغناميون ومحاسيبُ خانعون، ومع ذلك لا ينسى أَيُّ مسؤُول أَن يتشدَّق أَمام كاميرات التلـﭭـزيون بأَننا في بلدٍ… ديــمـقــراطــــي.