في 4 نيسان الحالي ودّعت فرنسا الكاتب والوزير عضو الأَكاديميا الفرنسية آلان ديكو Alain Decaux)) الذي رحل عن 91 عامًا (1925-2016) وعن 46 عامًا برامج إِذاعية، و30 عامًا برامج تلـﭭـزيونية، و49 كتابًا في السِـيَر، ومئات المحاضرات في التاريخ، وآلاف المقالات في الأَعلام العالـميين، وصاحب المجلة الشهرية “التاريخ للجميع” (منذ 1960)، ورثاه في كنيسة الإِنـﭭـاليد الرئيسُ الفرنسي فرنسوا هولّاند على أَنه “بَـسَّـط التاريخ للجمهور، وهو المؤَرّخ المفضل لدى الفرنسيين”.
وفي 13 نيسان الحالي تسابقَت في لبنان وسائلُ الصحافة والإِعلام على العبارة الـمُكــرَّرة الـمملّة “تنذكر ما تنعاد” مستعيدةً ذاك النهار الأَسود الذي لا يـزال يذكِّــرنا بتاريخٍ لَعِـين ما زال شؤْمه السياسيّ يـتـنـاسل حتى اليوم.
ذكرتُ آلان ديكو في هذا السياق لأَنه أَمضى سنواتٍ يروي للمستمعين والمشاهدين تاريخ فرنسا الـمُشرق منذ صفحاته الأُولى بأَعلامه وأَعماله ومعالـمه، ثم توَسَّع أَكثر فراح “يـروي” صفحاتٍ من تاريخ العالم وأَعلامه، وُصولًا إِلى “قصة يسوع مرويَّةً للأَولاد” في سرد تاريخي بحت.
بهذا النتاج الـمُوثَّق الغنيّ مقروءًا ومسموعًا ومرئيًّا، بات آلان ديكو مرجعًا ثقةً برواية تاريخ بلاده إِذاعيًّا وتلـﭭـزيونيًّا، فيما تاريخُ بلادنا المقروء والـمسموع والـمرئيّ متروكٌ على قارعة الـمزاج الصحافي والإِعلامي ووسائط التواصل الاجتماعي تُـمعن فيه تشويهًا وتنفيرًا وتقتيلًا كأَنْ ليس في تاريخنا ما يُـروى إِلّا الـمآسي والحروب وتجاذبات السياسيين الكيدية ومشاكل الأَمن والبيئة وانقطاع الكهرباء والـمياه، وكأَنـنـا شعبٌ حلَّت عليه لعنةٌ تنهش في حاضره مآثر ماضيه الـمضيئة.
فهل هذا فقط هو تاريخنا؟
سنة 1985 قدَّم فؤاد افرام البستاني من “المؤسسة اللبنانية للإِرسال” (تمامًا على طريقة آلان ديكو) برنامج “لبنان الدائم في تاريخه الحضاري” في 174 حلقة روى فيها تاريخنا مبسَّـطًا منذ ما قبل التاريخ الجليّ حتى اليوم. ومنذ 30 سنة حتى اليوم لم يقُم أَحد في محطاتنا التلـﭭـزيونية والإِذاعية يقدِّم برنامجًا مماثلًا يروي فيه لأَجيالنا الجديدة صفحاتٍ مشرقةً من تاريخنا المضيء فيكتشف أَبناؤُنا اليوم أَنّ لبنانهم ليس مجرَّد حروب ومنازعات ومشاكل سياسية وأَمنية يشاهدونها حاليًّا في تسابُق المحطات التلـﭭـزيونية على “سبَق إِعلاميّ” ليس فيه سوى ما يولّد في نفوس أَبنائـنا الشؤْم والهلَع والقلق والـميل إِلى هجرة وطنهم فورًا بلا أَسفٍ ولا أَيّ حنين للرجوع.
في غياب كتابٍ موحَّدٍ لتاريخ لبنان بين أَيدي تلامذتنا – بسبب التجاذب السياسي والطائفي بين أَقطاب السياسة والدين – على إِعلامنا أَن يُـبادر إِلى برامج تــثـقـيـفـيـة رصينة قد لا تَـدُرّ عليه الإِعلان التجاري لكنه يسهم بها في توعية جيلنا الجديد على حقيقة وطنٍ يعـتـزُّون بالانتماء إِليه وإِلى تاريخه المشرق.
_____________________________________________________
* “النهار” – السبت 16 نيسان 2016