نقطة على الحرف- الحلقة 1251
هل يَعودُ زمنُ التلغراف؟
الأَحد 10 نيسان 2016

                وقعتُ أَخيرًا على وثيقةٍ من 1969 كان يستعملُها القطاعُ السياحيُّ في لبنان، ذاتِ رمزٍ تلغرافـي دُوَلـي لحجز الغُرَف في الفنادق، فيها لكلِّ تفصيلٍ رمزٌ محدَّد: فرمزٌ خاصٌّ لساعة الوُصول في كلِّ يومٍ من أَيام الأُسبوع، ورمزٌ خاصٌّ لكل فترةٍ من اليوم (صباحًا، بَعد الظهر، مساءً، ليلًا)، ورمزٌ خاصٌّ لغُرفةٍ ذاتِ مواصفات مميَّزة، ورمزٌ خاصٌّ لإِقامة ليلةٍ واحدةٍ في الفندق، ورمزٌ خاصٌّ لإِقامةِ أَكثرَ من ليلة، ورمزٌ خاصٌّ لإِلغاء الحجز، إِلى سواها من رموزٍ عَمِلَ بموجبها مسؤُولو الفنادق بدون الخوف من أَيِّ ارتباكٍ في شبكةِ التلغراف، ولا مِن خطرِ اختراق التلغراف، ولا مِن أَيِّ إِشكالٍ أَو أَيِّ مُشكلةٍ في حجزٍ أَو في انقطاع الشبكة أَو توقُّفِ الخدمات الإِلكترونية.

                هذا الأَمرُ يقودنا إِلى عصرنةٍ وحداثةٍ يُزاولُهما اللبناني ويدفع كِـلْفتَـهما – وإِن باهظةً أَحيانًا -، كي يُـؤَمِّنَ مصالحَه الـمِهَنية والوظيفية، لكنها لا تلبّيه كما يجِب، أَو كما يكونُ عايَـنَـها واختـبرَها أَو سَـمِع عنها في دولٍ أُخرى، فيجدُ خدماتِـها في بلاده قاصرةً عن تلبية السُرعةِ الـمطلوبةِ عادةً من اعتماد التكنولوجيا الحديثة في تصريف أَعماله وإِدارة شؤُونه.

                ليس الـمُهمّ أَن نَدخلَ العصر بل أَن نملِكَ ناصيتَه ونستخدمَ التكنولوجيا كاملةً بسرعتها الكاملة وخدَماتها الكاملة، وهذا لا يتوقَّف على الأَجهزة الإِلكترونية أَو التكنولوجية، بل على مَن يُشغِّلُها أَو يديرُها أَو يتعاطى في تقْنياتها المتشعبة أَن يؤمِّن استمرار العمل بـها وَفْق أَحدث تطوُّراتها المتسارعة باستمرار.

                وليس مشغِّلو التكنولوجيا في العالم بأَذكى ممَّن عندَنا في لبنان مبدعون فيها محليًّا وعالـميًّا، شرطَ تَوَفُّرِ الـمواصفات لديهم كي يكونوا فعلًا وعمليًّا بارعين في تقديم الخدمات التكنولوجية بأَعلى مستوياتها من دون ارتطامِهم بفضيحةٍ من هنا، أَو إِعاقةٍ من هناك، أَو تعقيدةٍ من هنالك.

                مشكلةُ الإِنسان اللبناني لم تكُن يومًا لدى عبقرية إِبداعه بل لدى مَن يُعيقُ بِـرُوتينِهِ أَو فَسادِه أَداءَ تلك العبقرية التي تصطدِمُ بواقعٍ محلِّيٍّ فاسدٍ فتُـهاجر إِلى دولٍ أُخرى تَبرَعُ فيها ولاحقًا نسمعُ عنها من بعيدٍ في وسائل الإِعلام.

                وإِزاءَ ما يحاصرنا من فضائحَ آخرُها الإِنترنت غير الشرعي، وما نسمعه من اختراقاتٍ في الشبكة الإِنترنتية ومن إِمكان التنصُّت على المخابرات الأَرضية والخلَوية، عدا انقطاع شبكة الإِنترنت أَو بُطْـئِـها الـمُرهق أَو خللِ خدماتها في بعض المناطق والمواقع الجغرافية، يكاد اللبناني يكفُر بتكنولوجيا حديثة لا تَضمَن خصوصيتَه بل تُعرِّضه في أَيِّ وقتٍ للانكشاف شخصيًّا أَو مهنيًّا أَو وظيفيَّا في أُمورٍ إِن لم تكن حميمةً فهي من ضرورات أَسرار المهنة وسلوكيّات الوظيفة.

                بلى: إزاء ما يعاينُ المواطن اللبناني من تخبُّطاتٍ تكنولوجية تُعقّد حياتَه عوَضَ أَن تسهّلها، ومن فضائحِ فسادٍ في بعض القطاعات، قد يعيدُهُ الحنين إِلى الزمن الماضي، الزمن الهادئِ الماضي، الزمنِ البسيط الماضي، أَيّام كان آباؤُه وأَجدادُه يعيشون هانِئين بدون كهرباء، ولا ماءٍ في البيوت، ولا تكنولوجيا حديثة، ويتنقَّلون آمنين على الطرقات بدون “إِجراءاتٍ أَمنيةٍ مشدَّدة” ولا “يومٍ أَمني طويل”.

هكذا، بعد النظر  إِلى الأَمس، يتساءلُ لبنانيُّ اليوم: “هل يا تُرى يَعود… زمنُ التلغراف”؟