أزرار- الحلقة 935
بَــــين “الفنّان” و”الطنّان” *
السبت 9 نيسان 2016

                قرأْتُ قبل أَيّام تصريحًا لإِحدى مدَّعيات الغناء أَن مقوّمات الغناء: “استعراضُ الجمال وعملياتُ التجميل وحركاتُ الرقص”. ولم يـنـسَ كاتب المقال أَن يذكر في عنوانه كلمة “فنانة” للدلالة على صاحبة التصريح.

                هذا الأَمر الـمخزي يطرح حالة لا تقلّ خطورةً وأَذًى عن أَيّ مشكلةٍ أُخرى تشهدها البلاد حاليًّا من فضائح وسمسرات وشبكات مشبوهة وغير شرعية.

الطرح يبدأُ من التعريف البديهي: مَن هو “الفنان”؟ ومَن يستحقُّ أَن يحمل هذا الاسم؟ لقب “فنان” و”فنانة” يتردّد في الأَوساط الاجتماعية والمجلات الفنية ووسائل الإِعلام على كل مَن غنّى في مطعم، وكلّ مَن ظهرَت مرةً على شاشة، أَو رقصَت شبه عارية بين طاولات الزبائن في ملهى ليلي، وكلّ مَن خربش رسمًا، أَو لعِب دورًا ثانويًّا في مسلسل أَو مسرحية، وكلّ مَن قالت له خالتُه إِن صوته “يرمي الطير”، وهكذا أَفلتَت جميع المعايـير من أَحقيّة هذا الاسم، وبات الـمُبدِعون الـمُكــرَّسون يأْنفون من تسميتهم “فنانين” في سلّة واحدة مع هواة مبتدئين وهاويات مغرورات يصغي “الجمهور الحبيب” إِلى “مواهب” مفاتنهنّ ويتأَمّل أَصواتهنّ.

                ويتّخذ الأَمر طابعًا أَخطر حين يحظى هؤُلاء المدّعون والمدّعيات برعاياتٍ رسمية لِـما يقومون به من حفلات ومعارض وأَنشطة يغشُّون بها المسؤُول فيمنحهم الرعاية ولاحقًا يكتشف نوعية تلك الأَنشطة السيّــئة الـمُسيئة.

                ولكان يمكن الركونُ الرسمي في هذا الأَمر إِلى النقابات الفنية في البلد للاستفسار عن أَهلية هذا “الفنان” وتلك “الفنانة”، لو كان لـجميع تلك النقابات تنظيمٌ مهني يمنح الأَهلية والبطاقة، فالانتسابات العشوائية إِلى النقابات تغشُّ الوسط الفني وتضلّل الجمهور وتؤْذي مستوى الفن في لبنان.

                صحيح أَن لا معيارَ علميًّا هنا وأَكاديميًّا للانتساب، كما في النقابات المهنية الأُخرى من طبّ ومحاماة وهندسة ومثيلاتها، لكنّ تصنيف “الفنان” يجب أَن يخضع لـمعايـير صارمة وحازمة، فلا يُكَرَّس “فنانًا” مَن غنّى يومًا في برنامج هواة، أَو مَن نشرَت صُوَرها الـمثيرةَ العاريةَ في موقع إِلكتروني، أَو مَن “ســوَّق” مواهبَه بِــرَشوة وسائل إِعلامية.

                اليوم بات يلازمُ الموهبةَ إِلزامٌ علميٌّ في الفن بشهادةٍ من معهدِ موسيقًى أَو غناء أَو رسم أَو تمثيل أَو رقص، فتُضيف الشهادةُ معرفةً وعلْمًا إِلى الموهبة ويَنضُج الأَداء إِلى مستوًى رصين، ويصُحّ عندها التفريق بين الـمغَنّي والـمُطرب والـمُوسيقار والـمؤَدي.

الطريق طويل جدًّا قبل استحقاق لقب “فنان” أَو “فنانة”، كي يتشرّف اللقب بمواجهة الجمهور على مستوى رقيٍّ وجمالٍ وإِبداع لا يتوفر في جميع من يدّعون “الفن”. فالـمستاهلون الـمكرَّسون، في أَيّ حقلٍ فـنّـيٍّ، ذوو تاريخٍ من الخبرة الناضجة والتجربة الغنية والجهد الجدّي لا يجوز معه الخلْط بين “الفنانين” و”الطنانين”.

________________________________________

* “النـهار” – السبت 9 نيسان 2016