إِذا كان لكل عصرٍ أَو فِلذةٍ من عصرٍ عنوانٌ يسِمُ المرحلة، فعنوانُ هذه الأَيام: شبكاتُ التواصل الاجتماعي.
وإِذا كان لها من فائدةٍ في سُرعة الاتصال والتخاطُب لأُمور جادةٍ مفيدةٍ عمَلية، فبَين السيِّــئات إِفلاتُها من الضوابط والروادع والقيَم وأَخلاقيات التواصل بما تحمله من انفعال ونَزَق وارتجال وفُجُور، حين يتعلق الأَمر بالشأْن العام أَو الوطني أَو المصيري، فنراها “وِلْعِتْ” بآلاف الرُدود والمخاطبات والتعليقات، ويصدر في الإِعلام أَن “اشتعلت شبكاتُ التواصل الاجتماعي” بالخبر أَو الحادثة.
منها مثلًا ما “وِلْعِتْ” به أَخيرًا (مع الصُوَر) عن التحذير من فاكهة مستورَدَة محقونة بـﭭـيروس الإِيدز. ولم تَـقُم موجةٌ معاكسةٌ تشرح أَن الإِيدز لا ينتقل بالفواكه بل من إِنسانٍ إِلى إِنسان.
ومنها ما “وِلْعِتْ” به قبل أَيام (بالصُور والـﭭـيديو) عن فتاة طرابلسية فازت في مسابقة الغناء للأَولاد، بتهليلٍ عفويٍّ و”مبروك” لطرابلس ولبنان واللبنانيين في الوطن والمهجر. ولم يَصدر تنبيهٌ عن أَهمية أَنْ تُواصل الفتاة تحصيلَها المدرسي تَوازيًا مع التعمُّق في الدراسة الموسيقية كي لا يكون فوزُها طَفرة.
ومنها ما “وِلْعِتْ” به قبل أَسابيع عن مُـغَـنّـية قررت الاعتزال ورفْضَ الخلود، فانهمرَت الرسائل الباكية والرجاءات الحارّة والدعَوات الملحاحة أَن تعود عن قرارها رحمةً بمستوى الفن العربي والعالمي، حتى إِذا غيّرَت فكرها وعادت، والحمدُلله، عن اعتزالها، “وِلْعِتْ” من جديد ترحيبًا بهذا القرار التاريخي الذي كاد يهدّد مصير الأُمة العربية جمعاء.
ومنها ما “وِلْعِتْ” به ولا تزال “تُولَع” بين أَهل السياسة بأَفكارهم وطروحاتهم وتنظيراتهم وتَصوُّراتهم لمعالجة الشغور الرئاسي، ولا يزال قصر بعبدا شاغرًا، أَو بـحلُولهم العبقرية لمعالجة كارثة النفايات، والنفايات لا تزال ملْء شوارعنا وعلى مداخل بيوتنا.
وما هي إِلا نراها “وِلْعِتْ” بين أَزلام ومحاسيب وأَغنامٍ لهذا السياسي أَو ذاك، بكلماتٍ وعباراتٍ ورُموزٍ وَقِحة تخجل منها العاهرات، لا رادعَ لشتائمهم ولا وازعَ لوقاحتهم ولا ضابطَ لفُجورهم مكتوبًا بانفعالٍ غرائزي أَين منه شراسةُ حيوانات الغابات البرية.
وكم مرة “وِلْعِتْ” تعليقًا على خُطَب رنّانة يسخى بها قادةٌ سياسيون، ينافِسُ ولعانُها ما تكون “وِلْعِتْ” به الشوارع من إِطلاق رصاص ومواكبَ سيارةٍ كيديًا وابتهاجًا وتأْييدًا، أَو حشْدًا لتظاهراتٍ قد تنتهي بضحايا وتخريب الشوارع والممتلكات.
ويا ما أُحيلى “وَلَعان” التواصل الاجتماعي – على وقاحته وانفعالاته وغرائزيته وطيشه وتفاهاته وانفلاته من كل معيار أَخلاقي ووطني وإِعلامي -، بإِزاء “وَلَعان” الشوارع وما فيه من أَخطار. فأَضرار الوطن تنظيرًا في شبكات التواصل الاجتماعي تظلُّ أَقلَّ أَذًى من هياج المدسوسين في الشوارع، وأَقلَّ ضررًا من هياج النار في… برميل زبالة.
____________________________________________________________
* “النهار” – السبت 12 آذار 2016