نقطة على الحرف- الحلقة 1247
نتسابق لـيربحَ مَن يُـسيْءُ أَكثر
الأَحد 13 آذار 2016

                صادمةً بقسوةٍ كانت صوَرٌ وأَفلامٌ عمّا يَـختنق به لبنان هذه الأَيام من تلال النفايات، صدرَت هذا الأُسبوع في وسائلَ صحافية وإِعلامية محلّية وأَجنبية انتقلت إِلى لبنان والعالم في نشْر تسخيفي مُـؤْذٍ مُشَـوِّهٍ ساديٍّ مازوشيٍّ من شأْنه ضرْبُ شعبٍ كامل.

منها ما شاهدتُه قبل أَيام عن فيلمٍ قصيرٍ، يروّج للبنان الطبيعة والمناخ والضيافة، تناوله من أَحَـلُّوا مكان مَشَاهده الجميلة مشاهدَ نفاياتٍ مكوّمةٍ بالشكل المقرف الذي اعتادتْه العين منذ أَشهر.

ومنها صُوَرٌ كاريكاتورية لـمواقعَ سياحية لبنانية – أَدرجَت معظمَها منظمة الأُونسكو في لائحة التراث العالـميّ – تحوّلَت بالكاريكاتور مواقعَ مبنيةً بالزبائل، ولم تنجُ منها أَعمدةُ بعلبك فإِذا بها تعلو بأَكياس نفايات.

ومنها ما تتسابق قنواتٌ تلـﭭـزيونيةٌ على افتتاح نشراتها به تاركةً عيونَ المشاهدين ترتطمُ بمشاهدَ تَـتَـقَـزَّز لها النفوس في العالم.

تتسابق. نعم تتسابق. وفي العرُف أَن التسابُقَ يكون على الأَفضل والأَجمل والأَبهى والأَصلح، فإِذا في مُحيطِنا اليوميِّ تَسَابُقٌ على الإِساءة ليربحَ مَن يُسِيْءُ أَكثرَ إِلى صورة الوطن كأَنّ الهدفَ إِبرازُ أَبطال الإِساءة والتشويه والتنكيل بصورة لبنان في العالم.

كأَنْ ليس يكفينا عارٌ لَـحِـقَـنا في العالم من تحقيق CNN ومن تَناقُل الصحُف العالمية صورةَ نهر الزبائل في بيروت، وصدُور جريدة “لوموند” وعلى صفحتها الأُولى عنوانٌ مُـخْــزٍ: “لبنان-طائرةُ/كاميرا تُصوِّرُ من فوقُ أَنهار الزبالة في قلب الطبيعة الخضراء”، وتناقَلت الصحف والشاشات العالمية ذاك الفيلمَ الـمِسْخَ وعَنْوَنَتْهُ: “بيروت ونُفاياتُها كما تشاهدونها من السماء بطائرة/كاميرا”.

هكذا إِذًا؟ بيروتُ اللؤلؤةُ التي كان العالم يرى إِليها بإِعجابٍ وحسد، بات يرى إِليها اليوم مَزْبَلَة؟

ما هذه الساديَّةُ في طعْن جسدِ الوطن الذي نسلِّم كلُّنا بأَنه مريضٌ يتلوّى من آلامِ التقصير السياسي والكَيْد السياسي والفشَل السياسي والمصالح السياسية والخيانات السياسية والصفقات السياسية؟

هل باتت البطولةُ اليوم: مَن سيربَح جائزةَ تشويهِ الوطن؟

أَقول هذا ولا أَسـتـثْـني التسابُقَ على الإِساءة في كل حقل: في مسرح الشانسونـيـيـه، في الغناء المبتذَل، في برامج التلـﭭـزيون الفضائِحية، في الرُسوم الكاريكاتورية، في الصوَر الفوتوغرافية، في الأَفلام القصيرة، كأَنَّما لم يَعُدْ في الوطن إِلّا دعاةُ تشويهِه وتسخيفِه.

                مُــرَّةٌ هذه الحقيقةُ الْأَصلًا مُـرَّةٌ في واقعها. فهل نَـنْـشُـرُ مرارتَها على العالَـم لنُحَـوِّل لبنانَ الصورةِ البهيةِ أَنهارَ زبائلَ مُقَـزِّزَةٍ أَسْوأُها زبائِـلُهُ السياسيةُ الـمقْرفةُ، والعُـقْـمُ الفاضح لدى بعض سياسـيّـيـه؟

                هؤُلاء السياسيُّـون أُذكِّرُهم بِـبُـكاءِ عبدالله الصغير آخرِ مُـلوكِ العرَب من بني الأَحمر على غرناطة، وهو يشهد ضياع الأَندلُس بسبب حكْمِه الفاشل، إِذْ خاطبته أُمه يومَها في شماتة: “إِبْكِ مثل النساء مُــلْــكًــا مُــضَاعًا لَـم تُـحافِـظْ عليه مثلَ الرجالِ”.