يدخل أَبو شَــنَــب بيته عند العصر تسبِقُه إِليـه مسبحةُ الطقطقة بين أَصابعه، وصوتُه الجهير مُندِّدًا بغياب أَركيلته عن مكانها أَمام المصطبة حيث يجلس عصرًا عند وصوله من الشغل.
وأَبو شَــنَــب دائمُ التذمُّر. لا يُعجبه العَجَب. يتذمّر من أَولاده وضجيجهم وهو لم يسأَل يومًا عن دروسهم أَو مدرستهم أَو علاماتهم. أُمهم، بعد عودتها من عملها، تـهتمُّ بهم، وتـهتمُّ بالغسيل والطبخ والتنظيف والكنْس والشطف، وكلُّ ذلك في غيابه لأَنه يكره أَن يرى هذه المناظر في بيته، خصوصًا عندما يَـأْتيـه زوَّار وأَصدقاؤُه كي يلعبوا “دق طاولة” أَو “دق ليخا” أَو “طرنيب”.
وأَبو شَــنَــب مزاجيٌّ غَضوب، همُّه من الحياة نفْسُه وراحتُه وراحتُه ونفْسُه. وجميعُ تفاصيل الحياة اليومية تَـتـمَـحْـوَر حول رَفَاهِه من برامج تلـﭭـزيون وأَكل ونَوم وزيارات.
وأَبو شَــنَــب يريدُ قميصه نظيفًا مكويًّا كلّ صباح قبل أَن يرتدي ثيابَه، ولم يعرفْ يومًا مكانَ المصبغة التي تنظِّف ثيابه، فهو لا يـهتمُّ بهذه الشؤُون الصغيرة في بيته. هَمُّه أَكبر من ذلك بكثير. همُّه أَن يعرف ماذا يقول “البَيك” في الوضْع اليوم، وماذا سيصرّح، وكيف سيسحق أَخصامه بخطاب ناريّ يصفق له أَبو شَــنَــب وحدَه كأَنه وحده جمهورُ “البيك” بكامله.
ويعتزُّ أَبو شَــنَــب بأَن “البيك” كلما رآه يبادره”كيفَك يا أَبو شَــنَــب؟”، ويروح يُخبر الشباب في الساحة بأَن “البيك” قال له: ” كيفَك يا أَبو شَــنَــب”؟ ويستصغر كلام حَرَمه المصون حين تُخبره أَن جارتَـهم أُم أَكرم وَلَدت بنتًا. ينهرها لأَنها أَخبرته أَن أُم أَكرم “جابت بنت مش صبي”.
وأَبو شَــنَــب رجل تَــعِّــيْــب. يعمل على الأَقل ساعتين صباحًا، ويأْتي إِلى الغداء الذي يُفترض بأُم أَولاده أَن تكون حضّرت طاولته بكل مازاته وأَطايبه، ويَكره أَن يُزعجه أَحدٌ بعد الغداء حين يتمدَّد في قيلولةٍ غالبًا ما تكون بِعَـينٍ واحدةٍ لعلّ “البيك” أَرسل في طلبه لأَمر مُهمّ ويُبادره بـــ”كيفَك يا أَبو شَــنَــب” قبل أَن يطلب منه مهمةً ينفِّذها أَبو شَــنَــب باعتزازِ أَن “البيك” أَرسله إِليـها. ويزعجه أَن لا تسأَله حَرَمُه المصون إِن كان “البيك” اتصل به اليوم أَم لم يتّصل.
وإِذا دخل أَبو شَــنَــب البيت وأَزعجَه تفصيل، يثور على حَرَمه وأَمثالها من النسوانِ الكسولات، ويسُبّ بكلمات مُشْبَعةٍ بحرف السين، متأَففًا غاضبًا، وقد يبقى أَيامًا لا يكلّمها كـي تتعلّم أَن تكون في خدمته كما يُريد هو أَن تخدمه.
عنترُ حَــيِّـهِ وزمانِه ومكانِه أَبو شَــنَــب، يُطيعه الجميع في البيت ويـهابُونه ويخشون إِغضابَه وتعكيرَ مزاجه، فهو رجل تَــعِّــيــب كافٍ بيتَه شرط أَن لا يُزعجه أَحد، لا أَولاده ولا أُمهم. يـتّـهمونه بالتعنيف لكنه يرى ذلك حزمًا وَهَيبَةَ رُجولة.
هذه ملامح من شخصية أَبو شَــنَــب المغروزة في كثيرين من الرجال بشَــنَــب أَو بدون شَــنَــب، أُهديـها اليومَ حلْقةً خاصة إِلى كُـلِّ امرأَةٍ في بيتـِها “أَبو شَــنَــب”، وأُقدِّمها لها في مناسبة “يوم المرأَة العالمي” بعد غدٍ الثلثاء.
والسلامُ على جَميعِكُنَّ وجَميعِكُم.