مع غُرُوب السنة المنصرمة أَشرقَت غُيوم التنبُّــؤَات والتكـهُّنات والفلكيَّـات والتوقُّـعات للسنة الجديدة، وتلاطَمت بين أَبْـيَـضِـها وأَسْـوَدِها ورماديِّـها، ليطالَ كلُّ مُـتَـلَـقٍّ }قارئٍ أَو مستمعٍ {ذوقَه وتمنياتِه فتحملَه سذاجتُه إِلى الارتـيـاح أَو الالـتـيـاح، كما يلاحظ مَن يقرأُ كتاب “كلماتٌ غيَّرَت العالم” للقيصر الروسي الجديد “الأَخ” ﭘــوتين، وهو، كما سوَّق الكْرِمْلِنْ للكتاب، “ذو رُؤْيا نَبَويَّة”.
وإِذا كان المنجِّمون والـمُحَـلِّــلُـون وقارئُو الكفّ والفنجان، إِجمالًا، أَصحابَ رئاياتٍ خاصةٍ متفاوتةِ الصِدق والواقع ويَبيعون الناس هُـراءً مُقَنَّعًا بالجِدّية وأَوهامًا جميلةً مُهداةً بعُلبٍ من الكلام مطرَّزَةٍ مُغرية، فالأَنكى منهُم: سياسيُّون عندنا يتنطّحون للتوقُّعات والتكَهُّنات ويبيعون الناسَ وُرُودًا سوداءَ كالحةً تَـزيد الناسَ شُؤْماً وتشاؤُمًا، وتُغرِقُهم في وهْم الـمَخاطر لقناعتهم أَنّ هؤُلاء السياسيين خبراءُ بما يجري، مُطَّـلعون على الخفايا متطلِّعون إِلى النوايا، وتاليًا يعرفون بِخفايا الأُمور ففي ما يقولونه نصيبٌ كبيرٌ من الحقيقة والواقع و”المايَـجْـريات”.
غير أَنّ الحقيقةَ غيرُ ذلك والواقعَ في مكانٍ آخَـر تمامًا، والـ”ما يَجري” يَجري بهم وبدونهم، وما يَحصل في الوطن من مآسٍ وفواجعَ ومصائبَ وكوارث، إِنما هو في كَثيرِه بعضٌ مِن عواقب أَعمالِهم وفِعالِهم وتصرُّفاتهم ومواقِفِهم واستسلامِهم واستزلامِهم وتحالفاتِهم وأَحلافِهم وكَيْديَّاتهم وانصرافهم إِلى تأْمين مصالحِهم ومصالح ذَريَّــــتِـهم من بَعدهم.
والشعبُ عارفٌ بهم، شاهدٌ على أَدائهم الـمفْرط في الادِّعاء، لكنه قلَّما يشهدُ أَنهم يَستنزفون الوقتَ خارجَ إِطارهم، ويصرِّحون بما يريدون أَن يعرف الشعب عنهم لا بما هي حقيقةُ أَوضاعهم الخفيّة واجتماعاتِهم الخصوصية ومحالفاتهم السريّة.
مع ذلك، لا يتركون كاميرا تلـﭭـزيون تعتَب عليهم، ولا ميكروفونَ إِذاعة يتجاوزُهم، ولا صفحةَ جريدة تُفلت منهم، ليُطْـلقوا تصاريحهم التحليلية ويُهدُوا الناس أَفكارَهم وقراءتَهم الأَحداث وما يجري وسيجري وما سوف يكون، منافِسين بذلك أَمهرَ المنجِّمين وأَشطرَ المتكهِّنين وأَشهرَ الـمتَــنَــبِّــئــين.
هوذا واقعُ الوطن مع سياسيين فيه يَقودون الوطن إِلى الـمَهاوي والـمَطاوي، وكلٌّ منهم يتناول تدَهوُر البلاد وانهيارَها وشغورَها وتعطيلَ مؤسساتها ويُلقي التَبِعَةَ على زُملائه في الوطن وأَخصامه السياسيّين من الفريق الآخر.
هل يدرك هؤُلاء خطورةَ ما يفعلون؟ أَم لا يدركون بأَنّ مآسي الوطن موجودةٌ بسببِهم، بسبب أَدائهم، بسبب هدْرهم الوقتَ على الفناء لا على البناء، وعلى الدَمار لا على العَمار، وعلى تهديم دومينو الحاضر لا على تهيئة المستقبل.
هل يدركُون بأَنّ تنبُّــؤَاتِهم وتحليلاتِهم وتنظيراتِهم وتوَقُّـعاتهم ليست سوى صورتِهم هُم في مستنقَع الوطن، وأَنّ الورود السوداء التي يَـنْـعَـون بها الوطن إِنما هي ورودٌ ذابلةٌ من إِفلاسهم السياسي وفَسادهم الوطني؟
ولعلَّهم يتعامَون بِــتَــنــبُّــؤَاتِهم وتوَقُّــعاتِهم وتكهُّناتِهم، ولا يُدركون أَين يَـكون وأَين يُـــرمى… يَــبَــاسُ الورود الذابلة.