نقطة على الحرف- الحلقة 1236
كلَّ عامٍ… وأَنتم مُـحــبُّـون أَكثر
الأَربعاء 30 كانون الأول 2015

غدًا مساءً يُـقفِل العالَـمُ البابَ على السنة الحالية، يُطفئُ اللُهاثَ الأَخير من شمعتها، يَـمُدُّ يدَه كي يفتح البابَ التالي، ويُـضيْءَ ولادةَ السنة الجديدة.

هو العيدُ يشتعلُ أَنوارًا بهذه الولادة، والعيدُ زهْوٌ وفرح. وأَيُّ معنًى لعيدٍ ليس زهوًا وَزَوغَةَ فَـرَح!

والعيدُ أُمنياتٌ وتَـمَـنّياتٌ يُطـــرِّزُها تبادُل النوايا.

ووسْطَ ما يَـحيق بنا من ظُـلْمٍ وظَـلامٍ وظُـلُماتٍ وظُلامات، لا يَجمُلُ بنا من النوايا إِلا واحدةٌ إِحدى: الحُب.

الحُبُّ الذي يُغَذّي ويُعَزّي. الحُبُّ الذي يُكافح ويُسامح. الحُبُّ الذي يَــبْــني ويُــدني.

إِنه الجامع المشترك أَبدًا بين الحضارات والثقافات، بين الشُعوب والعصور، بين الفلسفات والأَديان.

هوذا الـمُسْلم في قرآنه الكريم يتلو الآية 31 من سورة آل عمران: “قل إِن كنتُم تُحبُّون الله فاتبَعوني، يُـحْــبِــبْــكُم اللهُ، ويغـفِـرْ لكم ذنوبَكم، والله غَـفُـورٌ رحيم”.

وهوذا المسيحيُّ يُصغي إِلى المسيح في الآية 34 من الفصل 13 في إِنجيل يوحنا: “أَحِبُّوا بعضَكم بعضًا كما أَنا أَحبَـبْـتُـكم. إِذا أَحَبّ بعضُكُم بعضاً عَرَف الناس جميعًا أَنّكُم تلاميذي”.

وهوذا الصوفيُّ يُردِّد مع الشيخ الأَكبر الإِمام مُحيي الدين ابن عربي: “أَدينُ بِدين الحُب أَنَّى تَوجَّهَتْ ركائبُه، فالحُبُّ ديني وإِيماني”.

وهوذا العالم الأَوسع يَقرأُ في معظم لغاته ما كتَبَه اللبناني العالَـمي جبران: “يوم الحبُّ يندَهُكُم، انقادوا له ولو في دروبه الوعْـرة الشائكة. ويوم يَغمُرُكُم بِجناحَيه، استسلِموا إِليه ولو جَرحَكم سيفٌ بين ريشِهما. ويوم يُخاطبُكُم، آمِنُوا به ولو مزَّق أَحلامَكم صوتُه كما ريحُ الشَّمال تُهَشِّم الحديقة”.

هو الحُبُّ إِذًا يَغمُر العالم، يُخلِّص العالم، يَهديه إِلى الصراط ويُهديه إِلى الانخراط في مسلَك الإِنسان أَخا الإِنسان.

فرحُ العيد إِذًا هو الفرحُ بالعيد، وهو لا يكتمل إِلّا لدى مَن في قلبهم نورُ الحُب، شعلةُ الهِبة المتوهِّجةُ في هيكل العطاء.

فرحُ العيد، مع فجر السنة الجديدة ومع ضُحى نورها، أَن تُشرق شمسُها على الـمُحبين، يَـنْـبُضُ الأَبيض في قلوبهم ناصعًا كشمس الحقيقة، بها وحدَها يكون فَرح، وبها وحدها يكون عيد.

ذلك أَن الفجرَ والضُحى والشمس، ثالوثٌ مقدَّس طالعٌ من رضى “نجمة العمر” طاهرةً ساهرةً دومًا على هناءَة الليل ووُضاءَة النهار، فالعُمْر في رضاها شكرانُ الحياة على هذه النعمة.

وكلَّ عامٍ… وأَنتم مُـحــبُّـون أَكثر.