في باحة مجلس النواب الفرنسي تمثالٌ ضخم لـﭭـيكتور هوغو، خلفَه لوحةٌ عليها مقطعٌ من خطابه في الجمعية الوطنية سنة 1849. وفي قلب العاصمة ﭘـاريس ساحةٌ كبرى على اسم ﭬـيكتور هوغو، يتفرَّع منها الشارع الرئيس المسمَّى كذلك شارع ﭬـيكتور هوغو. وسنة 1961 كان الرئِيس الجنرال شارل ديغول يدشِّن مبنى وزارياً في ﭘـاريس على مدخله بـيـتان من الشعر طَلَبَ أَلاَّ يُنْحَتَ اسم الشاعر قائلِهما، حتى إِذا سُـئِـلَ عن السبب أَجاب: “مَن لا يعرف أَن هذين البيتَين لـﭭـيكتور هوغو لا يستحقُّ أَن يكون فرنسياً”.
أَوردتُ هذه المقدمة لأَقول إِنّ الدُول الحضارية تَكبُرُ بمبدعيها، وإِنّ لتسمية الشوارع والساحات في المدينة، وخصوصاً في العاصمة، مدلولاً يرتبط باسْمٍ كبيرٍ من البلاد خالدٍ، مع شرحٍ منحوتٍ أَو منشورٍ لتبرير هذه التسمية وظروفها.
أَتجوَّل اليوم في شوارع بيروت وساحاتها، فأَراها مُتْخَمَةً بأَسماءَ بعضُها معروفٌ ومعظمُها غيرُ معروف. وحتى المعروفُ منها لا نعرف مِن معظمِه غيرَ الاسم، فلا دليلَ على صاحبه ولا تبريرَ لتَسميته ولا منشورَ يوضِح، كي يَرتبطَ اسمُ الشارع بشخصيةٍ ذاتِ أَثَـر، عدا كونِ شوارعَ كثيرةٍ وجاداتٍ متعدِّدة وساحاتٍ عدة في بيروت لا تزال تحمل أَسماءَ من أَيام السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي، حتى إِذا جاء عَلَمٌ جديدٌ مستحقٌّ أَن يُطْلَقَ على اسمه شارعٌ لم تَعُدْ في بيروت سوى زواريبَ صغيرةٍ وممراتٍ ضيقةٍ ووَصْلاتٍ قصيرة ليست غالباً لائقةً بالاسم الجديد المزمَع إِطلاقه على المكان.
الشاهدُ من هذا الكلام أَنْ ليس يكفي إِطلاقُ الاسم على شارعٍ أَو ساحة، بل المطلوبُ الإِعلامُ عن صاحب هذا الاسم، خصوصاً حين يكون ثانوياً في حجمه أَو مآثره أَو تاريخه في المدينة. وإِن لم يكن ذلك في لوحة شارحةٍ عند ناصية الشارع أَو الساحة، فلْيَكُنْ في منشورٍ أَو كُـتـيِّبٍ عن المدينة يُصوِّر لوحةَ الاسم ويَشرحُ عنها وعن صاحبها كي تُصبحَ للشوارع والساحات في بيروت حياةٌ يتداولُها المواطنون من مفهومٍ آخرَ غيرِ التسمية الحافية، فتَغْنى الثقافةُ المعرفيَّة ويكتسبُ الشارع وتكتسبُ الساحة مدلولاً خصيباً بالحس الوطني يجعل المواطن معتزاً بأَنّ في مدينته شوارعَ وساحاتٍ وباحاتٍ وجاداتٍ ذاتَ تاريخٍ مِن خلال تاريخِ مَن تَحمل أَسماءَهم.
لا أُجادلُ هنا في ظاهرة أَنّ معظمَ الشوارع والساحات في بيروت تحمل أَسماء سياسيين، ونادراً ما نجد شارعاً على اسم مبدع لبناني في أَيّ حقل من ميادين العطاء الفكري، وإِذا حصل ففي زاروبٍ أَو شارع ثانوي جداً، كي تبقى الشوارعُ العريضة والساحاتُ الرئيسةُ مخصَّصةً لرجال السياسة، وهذا من طبيعة واقعٍ لبنانـيٍّ ما زال مبهوراً بأَهل السياسة ويراهم أَكثر استحقاقاً من المبدعين.
غير أَنّ هؤلاءِ المبدعين ليسوا في حاجةٍ، لتخليدِهم، إِلى شوارعَ بأَسمائهم لأَنّ خلودَهم هو في آثارهم الباقية على الزمن، ولْتَبْقَ أَسماء الشوارع العريضة والساحات الرئيسة لأُولئك الذين حين يغـيـبـون يوماً يظلُّون غائبين كلَّ يوم في النسيان، ولا يبقى منهم ومن ذكْرهم ومن أَسمائهم سوى… لوحةٍ باردةٍ خرساءَ على جدار شارع.