حرفٌ من كتاب- الحلقة 249
“عَـفَـارةُ الــبــيــدَر”
الأَحـد 29 تشرين الثاني 2015

Youssef Hourani          “يَفهمُ عنوانَ كتابي مَن كان مثليَ ابنَ فلاحٍ نشيطٍ يَـزرع ويَـحصد زرعه بيديه، وبِنَوْرَجِه يَدوس الحبوبَ على البيدر، وفي نهاية الموسم يجمع العَفارة: بقايا حبوبِه وأَخلاطِها حصيلةُ ما انـتـثـَـر على البيدر من حبوب قبل خَزْنها في الكواير الترابية“.

بهذا التوضيح استهلّ الدكتور يوسف الحوراني كتابَه الجديد “عَـفَـارة الــبــيــدَر” الصادرَ قبل أَيام عن “دار الحداثة” في 232 صفحةً حجماً وسطاً، جامعاً فيه “عَفارةَ” مقالاتٍ له ودراساتٍ تاريخيةٍ وتراثيةٍ وأَدبيةٍ كانَ نشَرَها في مَـجلاّت وصُحُف.

          وبين كثيرِ ما نكتشفُه في الكتاب: أَنّ قيامة العازَر من الموت (كما ذكرها الإِنجيليّ يوحنا ويحتفل بها المسيحيون يوم السبت السابقِ أُسبوعَ الآلام) هي استعادةُ احتفالاتٍ مصرية قديمة كانت تقام احتفاءً بقيامة أُوزيريس الذي يماهيه أَدونيس في أَرض كنعان حين كان أَهالي بيبلوس يحتفلون بقيامة أَدونيس من الموت، وهو تموزُ رمزُ البَعْل والموت والقيامة.

          وفي فصلٍ آخَر يفصِّل المؤَلف نصوصاً عن جبل حرمون الذي ذكرتْه ملحمةُ غلغامش السومرية على أَنه “جبل الأَحياء” أَو “الخالدين”، وذكَرَتْهُ مخطوطاتُ البحر الميت على أَنه “جبَلُ الرؤَى”، على قمَّته عند مدخلِ معبدٍ ضخمٍ صخرةٌ محفورٌ عليها باليونانية عبارة “ثِـيُـو ماجِستو” (أَي الإِله الأعظم)، وفي تقاليد المسيحيين أَنّه “جبلُ التجلي”، سنَداً إِلى إِنجيل متى أَنّ المسيح “صعد من قيصرية فيلِـﭙـُّس إِلى جبل عالٍ مع تلامذته بطرس ويعقوب ويوحنا وتجلَّى أَمامهم فأَشرقَ نورُه كالشمس وصارت ثيابُه بـيضاءَ كالنُّور”.

          وفي الكتاب أَيضاً نكتشف “مغارة نيسا” في منطقة أَفقا التي جاء في نصوص ملاحم أُوغاريت (أَواسط الأَلف الثاني قبل الميلاد) أَنها منطقةٌ مشهورةٌ بخمورها وفيها مقرُّ الإِله إِيل عند مجرى النهرين. وجاء أَن أُوزيريس المصري هو ذاتُه ديونيسوس نسبةً لـمَوقع ولادته. ويتوسَّع ديودورس الصقلّيّ في وصف المكان وكهفٍ فيه داخلَ جُرْفٍ صخري تصِلُه أَشعة الشمس بعد مدخله، وهي تفاصيلُ تنطبقُ تماماً على مغارة الرويس في منطقة أَفقا الجبيلية.

          وفي الكتاب كذلك معلوماتٌ جديدة عن أُوفرات الصُّوْري رائدِ الديمقراطية في التاريخ، وعن أَعلامٍ عالَـميّين من صُوْر منهم الأَديب أَﭘـولونيوس، والـمُحاضر في روما مكسيموس، والجغرافي ماريـنوس، والفيلسوف فرفوريوس، والقانوني أُولـﭙـيانوس وسواهم.

          كتابُ “عَـفَـارة الــبــيــدَر” ليوسف الحوراني مَـخزونٌ تراثيٌّ غنيٌّ تَجدُر العودة إِليه لاكتشاف صفحاتٍ من تاريخِنا تَجعلُنا نفخَر بأَننا في وطنٍ أَصابَ مجدَه غابريال هانوتو في قوله: “إِنْ لم يَكُن لبنانُ أَعلى قمةٍ في الجغرافيا فهو حتماً إِحدى أَعلى قِمَم التاريخ“.