نقطة على الحرف- الحلقة 1231
انقلاب الصُـقْـلوب الشـرِّيـر
الأَربعاء 25 تـشرين الثاني 2015

يكادُ لم يَــبْــقَ قلَمٌ هنا وهناك وهنالك إِلاّ وكتَبَ أَنّ الإِرهابَ، كما يَتمَظْهر في الأَعمال الانتحارية الأَخيرة، ليس من الإِسلام، وأَنّ الإِرهابَ لا دِينَ له ولا هُويةَ ولا جنسية، حتى بات التداوُلُ في هذه النقطة نافلاً بدون جديد.

الإِسلام أَصلاً ليس في حاجةٍ إِلى الدِفـاع عنه دِيـناً حنيفاً، ولا إِلى ردِّ الـتُـهَم عن تعاليمه وكتابِه الكريم، هو الذي قُــرآنُـهُ جوهرٌ في التسامحِ والرفْقِ ولقاءِ الإِنسان بالإِنسان، فَــ”لا إِكراه في الدين” (“البقرة” 256)، و”لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى، ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (“المائدة” 82)، و”وَقُل: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (“الكهف” 29). أَما الـمُغالون من الإِسلاميين تَشَدُّداً وغِـيّـاً فمِن زمانٍ أَصابهم شيخُ الفقهاء المجدِّدين المسلمين الإِمام محمد عبده بقوله إِن “الإِسلام محجوبٌ بالـمُسلمين”.

النقطةُ إِذاً ليست أَن ننفي عن الإِسلام الإِرهابَ بل أَن نُثْبت كم انَّ دهاقنة السياسة في الدول الكبرى يرتعدون اليوم من قُمْقُمٍ زجُّوا فيه مارداً شريراً وأَطلقوه إِلى بلدان الناس كي يرهِـبَهم قَتلاً وذَبحاً وتفجيراً، فإِذا بالقُمْقُم ينكسِر في كلّ اتجاه ويخرُج منه المارد الشرير وينقلبُ حتى على مَن أَطلقوه فيندارُ عليهم قتلاً وتفجيراً وعملياتٍ انتحاريةً لم تفرِّق بين مُرسليه والمرسَل إِليهم.

هنا النقطةُ الحاسمة اليوم: انقلابُ المارد الشرير على مصادر تمويله ومراكز تدريبه، وانتشارُه السريع في أَيام معدودة قَضَمَ خلالها مساحاتٍ من سوريا والعراق، وها هو يتمدَّد إِلى مساحات غير محدودة من بقاع العالم.

هكذا انقلبَ على الساحرِ سحرُه الشيطانـيُّ الذي شاءَه يدمِّرُ السوى فإِذا به يُدَمِّر صانعه الشيطانـيّ.

إِنه عقابُ السلاح: يَرتدُّ على صانعه ومُرسلِه ومُشَغِّل عُمَلائِه، ولا يعودُ يُـميّز في انقضاضه بين بَــرٍّ وبحرٍ وجَوّ، فالمدى كلُّه استباحَهُ الغُـولُ الشرير الذي لم يعد ينضبِط حتى بأَوامر أَسياده الذين أَطلَقوه.

هذا هو الخطَرُ الأَكبرُ اليوم، يطال كلَّ مجتمع خطَّطَ أَن يُـنـشئَ للإِرهاب بيئةً حاضنةً لدى الآخرين ولم يُدْرِكْ أَنّ بيئته من زجاج وغيرُ مستثناةٍ من ضربات الصُقلوبِ الشريرِ ذي العين الواحدة فلا يَـرى إِلاّ أَمامه، وبأُذْنٍ واحدة فلا يَسمع إِلاّ هديرَ غضبِه الـمُتفجِّر ثورةً على أَربابه الذين صمَّموا في الدول الأُخرى أَفخاخاً تَخدُم مصالحهم السياسية والحربية والاستِـئْـثـارية، فوَقَعوا اليومَ في أَفخاخِهم لأَنهم ارتجَلوا الدِين عَباءَةً مزوَّرَةً سقطَت عن لابسِيها وارتدَّت على مُتَآمريها فما عادوا قادرين أَن يُعيدوا إِلى حجمِهِ الأَوّل قُمْقُماً خرَج منه ماردُه الـمِسْخُ الشرّير ويرفض أَن يعودَ إِليه.