نقطة على الحرف- الحلقة 1228
مُواصفات رئيس؟ أم مُواصفات عريس؟
الأَربعاء 4 تـشرين الثاني 2015

في عادة أَهل القُرى أَن تجتمعَ العائلةُ عند تَقَدُّم عريسٍ لابنتهم فـــ”تدرسَ” خصائصَه وظروفَه وأُسرتَه، وتقيسَها على “مواصفات” تكونُ هيَّأَتْها سلَفاً أَو متَّفِقَةً عليها وفْق معايـيرَ عامةٍ للعريس أَياً يكن، كأَنْ يكونَ ابنَ عائلة محترمة، موفورَ المخزون المالي، ذا وظيفةٍ أَو منصِبٍ أَو عملٍ يكفل تأْمين معيشة بيتِه بعد الزواج، وخصوصاً أَلاَّ يكون “نسوانجياً” ولا “سَكَرْجياً” ولا “قِمارجياً”. وهي مواصفات عامةٌ منسوجةٌ سلفاً بدون أَيِّ شابٍ معيّن أَو مقصود، حتى إِذا تقدَّمَ شابٌّ تنطبق عليه مقاييس المواصفات، رضي به الأَهل ووافقوا على تزويجِه ابنتَهم.

          ويبدو أَن هذه العادة الشعبية هبطَت من القرية فوراً ومباشرةً إِلى “ساحة النجمة”، فاجتمع أَهل الصبي في خلوةٍ سموها “طاولة حوار” جعلوا لها عنواناً واضحاً: “البحث في مواصفات الرئيس”.

          وإِذا في الضيعة المواصفاتُ عامَّةٌ يجري تطبيقُها على أَيِّ عريس يتقدَّم، فالحواريون في “ساحة النجمة” سلَكوا الاتجاه المعاكس، فأَخذ كلُّ فريق يتنطَّح لابتكار مواصفاتٍ خاصة لا تنطبق إِلاّ على شخص معيّن في نيَّة هذا الفريق. لكنهم أَجمعوا، عافاهم الله، على صفةٍ واحدة لم يختلفوا عليها: أَن يكونَ الرئيس “لبنانياً” فلا يهبِط علينا من جمهورية زِمبابواي أَو تيزي أُوزُو الجزائرية أَو أَفريقيا الجنوبية.

          كما أَجمعوا، يا عافاهم الله، على أَن يكونَ الرئيسُ العتيد “قوياً” وصاحبَ “حيثيّة” في جماعته ويُمثِّلَ قاعدةً شعبية واسعة. وطبعاً لهذه المواصفات المحدَّدة شخصٌ محدَّد معروفٌ سلَفاً ينتمي إِليه كلُّ فريق يفَصِّل له مواصفاتٍ على قياسه. وبهذا المقياس، لم نفهم كيف يعتبرون أنّ شارل حلو كان “قوياً” أَو كيف كان الياس سركيس “صاحب حيثية في جماعته ويُـمثّل قاعدةً شعبيةً واسعة”.

          المهم أَنهم يلتقون حول “طاولة الحوار”، يتحاوَرُون في تفصيل ثوبٍ يعرف كلُّ فريقٍ سلفاً من سيلْبسه، فيُجْمعون على الثوب ولا يُجمعون على مَن يلْبس هذا الثوب، حتى ولو كانت صفاتُه بديهيةً لأيِّ مرشّح، كأَن يحترم الدستور ولا يكون تابعاً الخارج.

          ويَخرُج النواب الكرامُ من “الطاولة”، يتهافتون على الكاميرات والميكروفونات، ويُدْلون بتصاريح “تاريخية” عن مواصفات الرئيس العتيد وفي ظنهم أَنهم يُقْنِعُون الرأْي العام بآرائهم “السديدة”. لكنهم لم يدركوا بعدُ أَن الشعبَ فاضِحٌ أَمرَهم وسرَّهم وصفقاتِهم، ويعرف تماماً أَنّ كلَّ ما يفعلونه: تمريرُ وقتٍ مستقطَع حتى يأْمُـرَهم زِرُّ “الريموت كونترول” من الخارج فيهرعُوا صاغِرين مُطيعِين شاطِرين إِلى “ساحة النجمة” يُؤَمِّنون النصاب ويُدلون بالورقة التي أَمَرَهُم بها “الريموت كونترول” ولا يَـنْسَون عند انتهاء جلسة الانتخاب أَن يُدْلُوا من جديدٍ للكاميرات والميكروفونات بأَنهم انتخبوا رئيساً “صُنِعَ في لبنان”، غيرَ مدركين أَنّ الشعبَ كاشفٌ غطاءَهم المزوَّرَ المزيَّفَ المستعار، وفاهِمٌ أَنهم ليسُوا نُوّابَ الشعب بل مأْمورو الخارج يعيشون “سْكيزوفرينيا” الكذِب على الشعبِ الذي نأْملُ، نهارَ الانتخابات النيابية المقبلة، أَن “يَزربهم” في بيوتهم كي يتعلَّموا أَلاَّ يكذِبوا، فيستبْدِلَهُم بنُوّابٍ جُدُدٍ من قلب الصدق والحقيقة يكونون فعلاً نُوّاب الشعب وخُدّامَ الشعب ويقودون البلاد بشَعبٍ واعٍ لا بقطيعٍ يُهَوْبِرُ لهم في الشوارع حاملاً صُوَرَهُم الباهتة وشعاراتِهم الجوفاء.