في منطق الجائزة أَنها تتويجُ مسيرةٍ أَو تكريمُ أَثرٍ فاعلٍ في فــئــتِـه أَو مجتمعه. لذا يضَع الـمعنيّون بها معاييرَ صارمةً كي يستحقَّ الجائزةَ مَن تكون له تتويجاً أَو تكريماً بدون انحيازٍ أَو استنسابٍ أَو مُسايَـرة.
على الجائزة أَلاّ تكون “تَنفيعةً” لـمستحقّها بل أَن تذهبَ إِلى مَن يكون استحقاقُه بَـيِّـناً يُفيدُ الإِبداعَ أَو الاكتشاف، ومُـحَـفِّزاً إِياه على مواصلة اكتشافاته أَو إِبداعه.
هذا معيارُ “نوبل”: لا يعرف أَحدٌ أَعضاءَ لجنتِها، وحتى الأَعضاء في ما بينهم لا يعرفُون مَن اختارَ مَن عند تسميتِهم مُستحِقّاً عليهم أَن يبرِّروا استحقاقه. والاختيار خطّيٌّ في مغلّفات مقفَلَة فلا يتأَثَّر عضوٌ برأْي زميلٍ لو كانت التسميةُ شفويةً علنية. وكذا الأَمر في جوائز “غونكور” و”الأَكاديميا الفرنسية” وسائر جوائزَ عالميةٍ محترَمَة يكون إِعلانُها حدَثاً في الوسط الأَدبي أَو الفني.
نادراً ما شهدْنا في لبنان جوائز تحترم هذا المعيارَ وتطبيقَه الصارم الصامت فيستحقّه الجدير باحترامِ أَن يحوزَ الجائزة ويفرض احترامَها واحترامَه على جمهوره ووطنه.
هذا الأَمر ينسحبُ على المانح والممنوح معاً. فمنطق المانح أَن يكون جهةً فاعلةً منتجةً ذاتَ تاريخ ومصداقية في مجتمعها حتى تكونَ لجائزتها قيمةٌ تزيد من قيمة المستحِقّ، لا أَن تكونَ على اسم صاحبها فتُصبحَ إِعلاماً وإِعلاناً له حين يُسلِّمها بشخصه الكريم إِلى مستحقِّها فيأْخذ وهجَ الـمَنْح والتسليم معاً. حتى سعيد عقل المستحقّ بقامته التاريخية أَن يُـنشئ (1962) جائزةً شهريةً باسمه الكبير، لم يكن هو يُسلِّم الجائزة بل نقيبُ الصحافة وفي نقابة الصحافة كي يعطي الـمَكان والـمُسلِّم قيمةَ تسليمِها ومستلِمِها.
أَما أَن تكونَ الجائزة استنسابيةً من مانح الجائزة بشخصه وحلقة أَصدقائه، فالأَمر يُمسي إِخوانيةً عاديةً في ديوانيةٍ مرتجَلةٍ لا تُفيد المانح ولا الـممنوح بل كرنَـﭭـالاً ثقافياً يدعى إِليه الإِعلامُ ليَـنقُل “مأْثَرة” الـمانح و”تأَثُّر” الـممنوح. وبذلك تفقدُ الجائزةُ قيمتَها وتكون تكريماً عادياً بشكل جائزةٍ لا احترامَ لـمعايـيرها، ولا تأْثيرَ لصداها في المجتمع، ولا ينتظر جمهورُها سنوياً حدَثَ الوسَط الذي يحتضنها.
في لبنان الذي يعرف ناسُهُ بعضُهم بعضاً – فلا مفاجأَةَ في الاسم ولا دهشةَ إِعجابٍ لإِنجاز – ليست الـمعايــيرُ حازمةَ الصرامة والجدّية بل هي تطويعٌ لشخص، أَو ترتيبٌ لتبرير، أَو إِحسانٌ مقَــنَّـعٌ لصديقٍ أَو حائِج.
ومتى انحدرَت الجائزة إِلى “التكريم” و”الإِخوانية” لا تعود جائزةً بل إِرضاءً على حساب العلْم أَو الفكْر أَو الإِبداع الأَدبي والفني، وعندها لا يعود إِرضاءً بل فولكلوراً لا يَرضى به أَدنى معيارٍ للفولكلور.
*) “النهار” – السبت 17 تشرين الأَوّل 2015