حرفٌ من كتاب- الحلقة 243
“حدَّثَـنـي ميخائيل نعَيمة”
الأَحـد 18 تشرين الأَول 2015

Mikhail Naaymeh          عشية الذكرى المئوية (1916-2016) لانتقال ميخائيل نعَيمة إِلى نيويورك والتقائِه جبران والريحاني وأَبو ماضي ونسيب عريضة ونَدرة وعبدالمسيح حداد وتأْسيسِه لاحقاً معهم “الرابطة القلمية”، صدر أَخيراً كتاب “حدَّثَني ميخائيل نعَيمة” للصحافي اسكندر داغر لدى منشورات “دار نِلسُن” في 104 صفحات قطْعاً وسطاً، حاملاً أَربعة حوارات مع نعَيمة وحواراً خامساً مع ابن أَخيه الدكتور نديم نعَيمة بعد خمس سنوات على غياب عمّه.

          قدّم للكتاب الأَديب جورج شامي ومهّد له المؤلف بإِشارة إِلى نشْره أَول حوارَين في مجلة “الخواطر” (1965و1967)، والآخرَين في مجلة “الأُسبوع العربي” (1980 و1984).

          وتلفت في مستهل الكتاب قولةُ نعَيمة: “أَحببتُ لبنان منذ حداثتي، ولا أَزال أُحبُّه بكلٍّ من جوارحي، لا لأَن تُرابي من تُرابه، ولا لأَن نَفَسي من أَنفاسه، بل لأَن الله حباه من الجمال ما يجعلُني أُحبُّه حقيقاً ويحبُّه كلُّ من يتعشَّق الجمال”.

          وعلى مدى الأَحاديث الأَربعة في الكتاب تنبسِطُ أَفكار نعَيمة في الحرية وعلاقة الأَدب بالحياة والسياسة والجنس، وبالإِنسان الذي يرى فيه طاقةً على الاكتشاف عجيبةً ستظهر قواها تباعاً في المستقبل.

          وفي بعض أَجوبته إلى المؤلف، إِطلالةٌ على حياته الشخصية، فيظهر أَنه لا يحتسي القهوة، ولا يدخِّن إِلا قليلاً، ولا يَشرب الكحول مطلقاً، ويقرأُ كثيراً من الأَدب الروسي ويحبّ منه كتابات تولستوي ودوستويـﭭـسكي. وأَدبياً، يرى أَنّ الأَدب العربي لم ينفتح على العالـمية إِلاّ مع بداية عصر النهضة، وقبلَها كان متقوقعاً داخل حدود جغرافياه حتى دخلَت على أُدبائِه النَّهضويين أَنسامُ الأَدب العالمي من قصة ورواية ومسرح، وشِعر خرجَ على نمطية المدح والفخر والرثاء إِلى مواضيع إِنسانية شاملة. ويرى أَن الأَدب العربي تُبعده عن جائزة “نوبل” وسواها بمستواها قلَّة الترجمة إِلى اللغات العالـمية الحية. وفي لفْتة مقْنعةٍ إِلى الـمتلقّي رأَى نعَيمة أَنّ ضآلة القراءة في العالم العربي تُؤَثِّـر في ضآلة الإِنتاج الأَدبي الجيِّد، فالناس في بلادنا لا يُقبلون على القراءة إِقبالَ الغربيين عليها، ولا المدارس تشجّع تلامذتها على القراءة، ولا أَكثرية المدُن والقرى تَهرَع إِلى فتح المكتبات العامة والتشجيع على أَنشطة القراءة ولا أَرباب البيوت يباهون بمكتباتهم مباهاتَهم بما فيها من تحف وجواهر وأَدوات في المطابخ والحمّامات. وهذا عدا تعثُّرات النشر والتوزيع وخصوصاً خارج البلاد، وفقْدان الحفاظ على حقوق المؤَلّف فتزَوَّر مؤَلَّفاتُه ولا حيلةَ له أَن يتابعَ أَو يحصِّل حقوقَه من قرصنة الـمُـزوِّرين.

          في أَواخر حياته لم يعُد يَكتب لارتجافٍ في يُـمناه. أَخذ يراجع كتاباتِه في مجلَّداتها الثمانية، معتبراً أَنه بذلك يعيش مرتين. ولعلَّه قبيل تلك الفترة كتَب عبارته البليغة: “أَمهلْني قليلاً بعدُ يا قلَمي. قليلاً بعدُ وترتاحُ مني وأَرتاحُ منك. أَمهلْني ففي السراج لا تزال بقيةٌ من زيت، وفي الدواة بقيةٌ من مداد”.