أزرار- الحلقة 905
“تَـعـا تْــفَــرَّج… تَــعــا شُــوف”
السبت 22 آب 2015

          في ما مضى، قبل عصر السينما والتلـﭭـزيون وثورة الإِنترنت وتطبيقاتها، كانت السلوى الرائجة بدائيةً ساذجةً عفوية، منها “صندوق الفرجة” يتكوَّم أَمامه الأَولاد حاشرين أُنوفَهم وعيونَهم في مناظير الصندوق الخشبيّ ليُتابعوا قصصاً بطوليةً عنترية يديرها بيده صاحب الصندوق وينادي “تَـعـا تْـفَـرَّج… تَـعـا شُـوف”، ومنها قصص “الحكَواتي” في المقاهي والسهرات يروي للحاضرين قصص عنترة والزير أَبو زيد الهلالي وأَبو ليلى المهلهل، و”يقطع بهم الحبل في منتصف الطريق” ليأْتوا في الليلة التالية فيكملَ لهم الرواية، ومنها مسرحُ الدُّمى الذي كان يستقطب جمهوراً من الأَولاد يتابعون قصصاً عبْر شخصيات تلك الدُّمى يحرِّكها من خلف الستارة بارعٌ علَّق في أَصابعه خيطانَ كلّ دمية، ويتلاعب بصوته كي يُـنَـقِّـلَ الحوار بين تلك الشخصيات.

          قصصٌ عتيقة طريفة ممتعة يَنده إِليها صاحبُها، خلَّدها عاشقُ بيروت شاعر الشعب عمر الزعني حين غنّى: “يا مَنَاظر عَ الشَّاشه… يا خدَّاعَه وغشَّاشِه… يا عروس بْـخَشْخاشِه… يا مصمودِه بالتابوت… يا ضيعانِك يا بيروت”، وغنّى: “شوف تفرَّج يا سلام… شوف أَحوالَك بالتَّمام… شوف قدامَك عجايِب… شوف قدامَك غرايِب، …”.

          ما الذي أَتى بي اليوم إِلى هذا الحديث؟

          أَتى بي وضعٌ سياسيٌّ يُعيدنا إِلى تلك الحقبة الساذجة البدائية: “شُوف عَجايِب شُوف غرايِب”: دُمى تُحرّكها خيطان من خلف الستارة، والشعب يصفّق ويتحمّس، ويؤَيّد ويعارض، وتكتُب الصحف، وينظِّر المنظِّرون، ويكثر المنجِّمون، ويحتشد على شاشات الـ”توك شو” المحلّلون السياسيون، ويُهَوْبِر في الشوارع الأَزلامُ المؤَيِّدون، والناس يصدِّقون أَنّ ذلك يجري بإِرادة زعمائهم يقرِّرون وينفِّذون ويهدّدون برفْع الأَصابع أَو برفْع الأَيدي أَو برفْع المعاصم، والشعب يتْبع ويصدّق ويناقش ويحترب ويتخاصم، و”أَصحاب القرار” ينبسِطون فَرَحاً واغتباطاً “لإِمساكِهم بالشارع” وتحَكُّمِهم بالشعب: هنا ساحة، هناك ساحة مقابلة، هنالك ساحات “مع” و”ضِد”.

          لكنّ الجميع غير مدركين بأَنّ ما يجري ليس بإِرادة زعمائهم بل بأَيدي مَن هُم وراء الستارة يحرِّكون الدُّمى: في السياسة، في الأَمن، في القضاء، في مجلس النواب، في مجلس الوزراء، في الشغور الرئاسي، في تعطيل أُمور الدولة بتسييس جميع شؤُونها،… جميعُهم تُحرّكهم خيطانُ مَن هُم وراءَ الستارة بين أَجهزة محلية أَو “جِيرانية” أَو إِقليمية أَو دولية: الأَصابع تُحرِّك الخيطان، الخيطان تُحرِّك الدمى، الدُّمى تُحرّك الشعب، والشعب يصفّق ويتحمّس و… يصدِّق بكل سذاجة.

          بالأَمس كان اسمُها “خيطان الدُّمى”. اليوم صار اسمها “ريموت كونترول”.

          لكنّ المشهد واحد، والمسرح واحد، والجمهور لا يزال هو هو.

          والمنادي هو هو، ولا يزال ينادي: “تَــعــا تْــفَــرَّج… تَــعــا شُــوف”.