حرفٌ من كتاب- الحلقة 234
“مسرح سعيد تقيّ الدين بين التنظير والتطبيق”
الأَحـد 16 آب 2015

Said Takieddineفي السائِد عموماً أَنّ النهضةَ المسرحية في لبنان ازدهرَت منذ أَواسط الستينات مع قيام مدرسة منير أَبو دبس في نطاق “مهرجانات بعلبك”، وتالياً يُهمل الكثيرون ما كان قبل هذه النهضة من أَعمالٍ مكتوبةٍ ومنفَّذَةٍ على الـمَـسارح.

          من هذه الأَخيرة مسرحياتُ سعيد تقيّ الدين التي كان معظمُها جوّالاً في المناطق أَو مُرَكَّزاً ولو لِلَيالٍ ضئِيلةٍ كان الجمهورُ يُتابع فيها بَراعة الكاتب الساخرةَ الدقيقةَ الشديدةَ النسيج التأْليفي.

          في هذا السياق صدَر كتاب الدكتورة إِكرام الأَشقر “مسرح سعيد تقيّ الدين بين التنظير والتطبيق” عن “دار الأَشقر للكتاب” في 624 صفحةً حجماً كبيراً هو في الأَساس أُطروحةٌ جامعية في المسرح نالت عليها الكاتبةُ درجةَ الدكتوراه من جامعة القديس يوسف في بيروت، وأَصدَرتْها العامَ الماضي كتاباً تحليلياً مُوَثَّقاً عالجَت فيه مسرحياتِ سعيد تقيّ الدين، ممهِّدةً لها بنُبذَة كرونولوجيّة عن المسرح في لبنان قبل الستينات، منذ مارون النقاش (سنة 1848) مُروراً بأَعمال الأَب يوحنا طنوس وإِدوار الدحداح وعبدالله غانم وسواهُم، وبترجمات عن الفرنسية والإِنكليزية قام بها خليل مطران والياس أَبو شبكة وأَديب اسحق وشبلي ملاّط وسواهُم، تَوَقُّفاً عند مسرحيات سعيد تقيّ الدين التي لم تكن ترجمةً بل وضعاً من واقع المجتمع اللبناني، وهنا خصوصيَّتُها المختلفة عن عَمَلَي سعيد عقل “بنت يفتاح” (1935) و”قدموس” (1944).

          بعد البحث عن أَحداث رافقت حياة سعيد تقيّ الدين بين ولادته (1904) ووفاته (1960) وأَماكن عاش فيها بين لبنان والفيليـﭙـين وكولومبـيا والمكسيك حيث توفي، درسَت الكاتبة مسرحياته بَدءاً من “لولا المحامي” (1924)، و”نخب العدوّ” (1946)، و”حفنة ريح” (1948)، و”المنبوذ” (1952)، وعروضاً عرفتها هذه المسرحيات بين “وِسْت هول” الجامعة الأَميركية في بيروت، وقرى ومصايف لبنانية طيلةَ عقود سبَقت النهضة المسرحية اللبنانية في الستينات، حين انفتح المسرحُ في لبنان على الغرب وراح يُترجِم من الغربيين مسرحياتٍ شغلَت بيروت عقدَين كاملَين متجاهلاً أَعمالَ الـمؤَلّفين اللبنانيين منذ العشرينات.

          وخصَّصت الكاتبة فصلاً بحثياً للتقْنية في مسرح سعيد تقيّ الدين ونظرية الدراما لديه، وفصلاً لـمصادرِ مسرحياته تاريخياً واجتماعياً وسياسياً واغترابياً وحتى ذاتياً، وقد لا يكون “شَمْدَصْ جَهْجَاهْ” سوى نَسخةٍ مسرحيةٍ من شخصية الكاتب ذاتِه.

          وفي فصلٍ أَخير عالجَت الكاتبة أَكاديمياً اتجاهاتِ سعيد تقيّ الدين المسرحيةَ والعناصرَ المكوِّنَةَ مسرحياتِه شكلاً ومضموناً ومعالجَةً درامية. وختَمَت كتابها باستصراحِ مسرحيِّين مخضْرمين عــمّا سيبقى من مسرح سعيد تقيّ الدين، بينهم محمد كريِّم ونبيل أَبو مراد وريمون جبارة ونزيه خاطر وغازي قهوجي وهنري حاماتي وآخرون.

          كتاب “مسرح سعيد تقيّ الدين بين التنظير والتطبيق” دراسةٌ عادلة في إِرجاع الحق إِلى نهضةٍ مسرحيةٍ لبنانيةٍ قبل نهضة الستينات، بين أَبرز أَعلامها صاحب الـمُعادلة التي تُصيبُ دوماً مَن يدَّعون الصدْق وهم كذَّابون، ويدَّعون العملَ السياسي لصالح الوطَن وهم مُراوغون تنطبق عليهم معادلةُ سعيد تقيّ الدين: “أَفصحُ ما تكون الفاسقَة، حين تُحاضِر في العَـفاف”.